اسم الکتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 9 صفحة : 200
و ذاك لأنّ النوم يغشى عيونهم * * * سراعا و لا يغشى لنا النوم أعينا
إذا ما دنا الليل المضرّ بذي الهوى * * * جزعنا و هم يستبشرون إذا دنا
فلو أنهم كانوا يلاقون مثل ما * * * نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا
قال: فأخذ الغناء بقلبي و لم يدر لي منه حرف فقلت: يا جارية، ما أدري أوجهك أحسن أم غناؤك، فلو شئت أعدت. قالت: حبا و كرامة، ثم أسندت ظهرها إلى جدار، ثم انبعثت تغنيه، فما دار لي منه حرف، فقلت: لو تفضلت مرة أخرى. فغضبت و كلحت [1] و قالت: ما أعجب أحدكم يجيء إلى الجارية عليها الضريبة فيشغلها، فضربت يدي إلى الدراهم الثلاثة فدفعتها إليها، فأخذتها، و قالت: تريد أن تأخذ مني صوتا أحسبك تأخذ به ألف دينار و ألف دينار و ألف دينار. ثم غنت ففهمته ثم سافرت إلى بغداد، فآل الأمر إلى أن غنيت الرشيد بهذا الصوت، فرمى إليّ ثلاثة أكياس، فتبسمت فأخبرته خبر الجارية.
أخبرني بعض أهل الأدب قال: كان إسماعيل بن جامع قد تزوج بالحجاز جارية سوداء مولاة لقوم، يقال لها مريم،/ فلما صار من الرشيد بالموضع الّذي صار به اشتاق إلى السوداء، فقال يذكر الموضع الّذي كان يألفها فيه و يجتمعان فيه:
هل ليلة بقفا الصحصاح عائدة * * * من قبّة ذات أشراح و أزرار
المسك يبدو إلينا من غلائلها * * * و العنبر الورد تذكيه على النار
و مريم بين أتراب منعمة * * * طورا و طورا تغنيني بأوتار
فقال الرشيد: ويلك! من مريمك هذه التي وصفتها صورة الحور العين؟ قال:
زوجتي. ثم وصفها كلاما أكثر مما وصفها شعرا، فأرسل الرشيد من الحجاز حتى حملت، فإذا هي سوداء طمطمانية، ذات مشافر، فقال له: ويلك! هذه مريم التي ملأت الدنيا بذكرها، عليك و عليها لعنة اللَّه. فقال: يا سيدي، إن عمر بن أبي ربيعة يقول [2]: