اسم الکتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 8 صفحة : 73
و لم؟ قال: لأنه علم من [أعلام] [1] الإسلام يستدل به الناظر إليه على أنه لم يكن ليزال مثل أصحابه عنه بأمر دنيا، و إنما هو بأمر دين. فقال: أبيت إلا الميل إلى أصحابك العجم. و أمر أن ينقض القصر الأبيض، فنقضت ناحية منه، و حمل نقضه، فنظر في مقدار ما يلزمهم للنقض و الحمل فوجدوا ذلك أكثر من ثمن الجديد، فرفع ذلك إلى المنصور، فدعا خالدا فأخبره و قال: ما ترى؟ قال: قد كنت أرى أن لا تفعل، فأما إذ فعلت فأرى أن تهدم الآن حتى تلحق بقواعده لئلا يقال إنك عجزت عن هدمه. فأعرض المنصور عن ذلك و أمر أن لا يهدم.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا محمد بن عمر المرزباني قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الواحد بن محمد الحصيني قال: حدّثنى أبو علي أحمد بن إسماعيل قال: لما صارت الخلافة إلى المنصور أمر بنقض إيوان المدائن فاستشار جماعة من أصحابه، و كلهم أشار عليه بمثل ما همّ، و كان معه كاتب من الفرس فاستشاره [2] في ذلك فقال له: يا أمير المؤمنين، أنت تعلم أن رسول اللَّه ( صلّى اللَّه عليه و سلّم ) خرج من تلك القرية- يعني المدينة- و كان له بها مثل ذلك المنزل، و لأصحابه مثل تلك الحجر، فخرج أصحاب ذلك الرسول ( صلّى اللَّه عليه و سلّم ) حتى جاءوا مع ضعفهم إلى صاحب هذا الإيوان مع عزته و صعوبة أمره/، حتى غلبوه و أخذوه من يديه قسرا 36/ أ و قهرا، ثم قتلوه، فيجيء الجائي من أقاصي الأراضي فينظر إلى تلك المدينة و إلى هذا الإيوان، و يعلم أن صاحبها قهر صاحب هذا الإيوان، فلا يشك أنه بأمر اللَّه عز و جل، و أنه هو الّذي أيده، و كان معه و مع أصحابه، و في تركه فخر لكم، فاستغشّه المنصور و اتهمه لقرابته من القوم، ثم بعث في بعض الإيوان فنقض منه الشيء اليسير، ثم كتب إليه أنه يغرم [3] في نقضه أكثر مما يسترجع، و أن هذا تلف للأموال و ذهابها. فدعا الكاتب فاستشاره فيما كتب به إليه، فقال له: قد كنت أشرت بشيء لم يقبل مني، و أما الآن فإنّي آنف لكم أن يكونوا أولئك بنوا بناء تعجزون أنتم عن
[1] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل و ما أثبتناه من ت.