اسم الکتاب : المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 8 صفحة : 72
الميرة في السفن من الصين و الهند و البصرة و واسط في دجلة، و تجيئك الميرة من أرمينية و ما اتصل بها في تامرّا حتى تصل إلى الزاب، و تجيئك الميرة من الروم و آمد و الجزيرة و الموصل في دجلة [1]، و أنت بين أنهار لا يصل إليك [عدوك] [2] إلا على جسر أو قنطرة، فإذا قطعت الجسر و أخربت القناطر لم يصل إليك عدو و أنت بين دجلة و الفرات، لا يجيئك أحد من المشرق أو المغرب إلا احتاج إلى العبور بدجلة و الفرات خنادق لمدينة أمير المؤمنين.
فوجّه في حشر الصنّاع و الفعلة من الشام و الموصل و الجبل و الكوفة و واسط و البصرة فأحضروا، و أمر باختيار قوم من أهل الفضل و العدالة و الفقه و الأمانة و المعرفة بالهندسة، و كان ممّن أحضر الحجاج بن أرطاة و أبو حنيفة و النعمان بن ثابت.
و أمر بخط المدينة، و حفر الأساسات، و ضرب اللبن، و حرق الآجر، و كان أول ما ابتدأ به في عملها سنة خمس و أربعين [و مائة] [3]، و أحب أن ينظر إليها، فأمر أن تخط بالرماد، و أقبل يدخل من كل باب، و يمر في فضلاتها و طاقتها و رحابها و هي مخطوطة بالرماد، و أمر أن يحفر أساس ذلك على ذلك الرسم.
قال ابن عياش: فوضع أول لبنة بيده و قال: بسم اللَّه و باللَّه، و الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[4]. ثم قال: ابنوا على بركة اللَّه و عونه.
و قال حماد التركي: لما وقع اختيارهم على موضع بغداد، و كان في موضع الخلد/ دير و في فرات الصراة قرية، و كانت القرية تسمى العتيقة، و هي التي افتتحها المثنى بن حارثة، و جاء المنصور فنزل الدير في موضع الخلد على الصراة، فوجده قليل البق، فقال: هذا موضع أرضاه، تأتيه الميرة من الفرات و دجلة. فبناه، و كان موضع قرى و مزارع.
و لما احتاج المنصور في بنائه إلى الأنقاض قال لخالد بن برمك: ما ترى في نقض بناء كسرى بالمدائن و حمل نقضه إلى مدينتي هذه. فقال: لا أرى ذلك. قال: