وإنّما استكشفنا من سكوته ـ وهو بمرآة ـ رضاه ، ومن عدم ردعه إمضائه .
أم قلنا بورود أمر منه بالاتّباع ، لكنّه بنحو الإرشاد إلى ما هو المجبول والمرتكز في فطرة العقلاء .
أم قلنا بأنّ الطرق المتعارفة في الفقه ممّا أسّسها الشارع ـ كلّها أو بعضها ـ إيصالاً إلى الواقع ، ولم يكن عند العقلاء منها عين ولا أثر .
وتوضيح ذلك : أ مّا على الوجهين الأوّلين : فلأنّ المتّبع فيهما حكم العقلاء وكيفية بنائهم ، ولا شكّ أنّ عملهم لأجل كشفها نوعاً عن الواقع ، مع حفظ نفس الأمر على ما هو عليه ، من غير تصرّف فيه ، ولا انقلابه عمّا هو عليه . ومع هذا كيف يمكن الحكم بالإجزاء مع انكشاف الخلاف ؟
وبالجملة : لاشكّ أنّ عملهم بها لأجل كونه مرآة إلى الواقع بلا تصرّف فيه أصلا ، فحينئذ المطلوب الذي تعلّق به الأمر لم يحصل بعد ; لتخلّف الأمارة ، وما حصل لم يتعلّق به الأمر .
وأ مّا على الوجه الأخير ـ على فرض صحّته ـ فلا شكّ في أنّ لسان أدلّة حجّيتها هو التحفّظ على الواقع ، لا التصرّف فيه وقلبه إلى طبق المؤدّى .
أضف إلى ذلك : أنّ معنى كون شيء أمارة ليس إلاّ كونه كاشفاً عن الواقع عند المعتبر ، فلو تصرّف مع ذلك فيه وقلّب الواقع على طبق مؤدّاه لدى التخلّف لخرجت الأمارة عن الأمارية .
فلو فرضنا أنّ للشارع إيجاباً وتأسيساً فليس إلاّ لأجل الكشف عن الواقع المحفوظ في وعائه ، ومعه لا معنى للإجزاء .
ومن ذلك يظهر ضعف ماربّما يقال : إنّ لسان دليل الحجّية في الأمارات