قليلة ، على اختلافهم في العصور وتباعدهم في الزمان .
وما عن بعضهم من أنّ الواضع هو الله تعالى ، وقد ألهم بها أنبيائه وأوليائه ; مستدلاّ بلزوم العلاقة بين الألفاظ ومعانيها ; دفعاً للترجيح بلا مرجّح ، وامتناع إحاطة البشر على خصوصيات غير متناهية[ 1 ] .
غير مسموع ; إذ المرجّح لاينحصر في الرابطة بين اللفظ والمعنى ، بل قد يحصل الترجيح باُمور اُخر ، كسهولة أدائه أو حسن تركيبه أو غير ذلك ، على أنّ الامتناع مسلّم لو كان الواضع شخصاً معيّناً محدوداً عمره ووقته .
ثمّ إنّ دعوى وجود المناسبة الذاتية بين الألفاظ ومعانيها ـ كافّة ـ قبل الوضع ممّا يبطله البرهان المؤيّد بالوجدان ; إذ الذات البحت البسيط الذي له عدّة أسماء متخالفة من لغة واحدة أو لغات : إمّا أن يكون لجميعها الربط به ، أو لبعضها دون بعض ، أو لا ذا ولا ذاك ; فالأوّل يوجب تركّب الذات وخروجه من البساطة المفروضة ، والأخيران يهدمان أساس الدعوى .
والتمسّك بأ نّه لولا العلاقة يلزم الترجيح بغير المرجّح قد عرفت جوابه ; وأنّ الترجيح قد يحصل بغير الربط . وأ مّا حصوله بعد الوضع فواضح البطلان ; لأنّ تعيين لفظ لمعنى لايصير علّة لحصول علاقة واقعية تكوينية ; إذ الاعتبار لايصير منشأً لحصول أمر واقعي حقيقي ، والانتقال إلى المعنى إمّا لأجل بناء المستعملين على كون استعمالهم على طبق الوضع ، أو لجهة الاُنس الحاصل من الاستعمال .
وما ربّما يقال : من أنّ حقيقة الوضع لو كانت اعتبارية ودائرة مدار الاعتبار يلزم انعدام هذه العُلقة بعد انقراض المعتبرين وهلاك الواضعين والمستعملين[ 2 ] ،