يتجاوز إلى شيء آخر بادّعاء أنّ الثاني أيضاً عينه في المجاز .
فحينئذ يتّضح : أنّ الترجّي والتمنّي والتهديد وإن كانت ربّما تراد من الأمر ، لكن لافي عرض البعث والإغراء ، بل المستعمل فيه مطلقاً هو البعث ، وإنّما يجعل عبرة لغيره أحياناً .
ثمّ الانتقال من المعنى الحقيقي : إمّا إلى معنى محقّق في الواقع ، كما في قوله سبحانه : (قُلْ فَأتُوا بِعشْرِ سُوَر مِثْلِهِ مُفتَريات)[ 1 ] استعمل الأمر في البعث ، لكن لا ليحقّ عليه ، بل لأجل الانتقال إلى أمر محقّق ثابت غير قابل للإنشاء ; وهو خطأهم في نسبة الافتراء إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ، أو عجزهم عن المعارضة والمناضلة .
و إمّا إلى معنى إنشائي إيقاعي ، فينشأ تبعاً لصيغة الأمر ، كالترجّي وتمنّي الانجلاء في قول امرء القيس في معلّقته :
ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي بصبح ، وما الإصباح منك بأمثلِ
وبه تتّضح مشكلة اُخرى : وهي أنّ الاستفهام والترجّي والتمنّي التي استعملت في الذكر الحكيم لو بقيت على حالها لاستلزمت النقص والجهل والعجز في ذاته ، تعالى عن العيوب والنقائص .
وحلّها : أنّ الكلمات الموضوعة لإنشاء تلك المعاني كلّها مستعملة فيما وضعت له لأجل الانتقال إلى معنى آخر ، حسب مناسبة الموارد والمقامات[ 2 ] .
[1] هود (11) : 13 . [2] إنّ القوم فتحوا هنا باباً واسعاً للبحث عن مسألة اتّحاد الطلب والإرادة ; حتّى جرّ البحث مقالهم إلى التحقيق عن مسألة الجبر والتفويض التي قلّما يتّفق لإنسان أن يكشف مغزاها .
وقد ألحّ روّاد العلم وعشّاق الحقيقة على سيّدنا الاُستاذ ـ دام ظلّه الوارف ـ أن يخوض في هذه المباحث ، فأجاب ـ دام ظلّه ـ مسؤولهم ، فأتى بأفكار أبكار وآراء ناضجة ، ولمّا جاء ما أفاده على صورة كتاب أفردناه للتأليف ، وعلّقت عليه ما بدا لي من التعمّق في آيات الذكر الحكيم ، ومن التدبّر في أخبار المعصومين(عليهم السلام) ، مشفوعاً بما استفدته من أساتذة الفنّ ، أو وقفت عليه في زبر الأوّلين ورسائل الآخرين من أكابر القوم ، وسمّيته بـ «لبّ الأثر في الجبر والقدر» ، وسيشمل للطبع بإذنه وتوفيقه تعالى . [المؤ لّف]