الأمر الأوّل في حال العلوم وموضوعها ووحدتها ومسائلها وتميّز بعضها عن بعض وغيرها
فنقول : إنّك إذا تفحّصت العلوم المدوّنة الدائرة بين أبناء عصرنا ـ من علمية وعملية ، وحقيقية واعتبارية ـ يتّضح لك تكامل العلوم في عصر بعد عصر ، من مرتبة ناقصة إلى مرتبة كاملة ; بحيث كانت في أوّل يومها الذي دوّنت وانتشرت عدّة مسائل متشتّة ، تجمعها خصوصية كامنة في نفس المسائل ، بها امتازت عن سائر العلوم ، وبها عدّت علماً واحداً ، فجاء الخَلف بعد السلف في القرون الغابرة ، وقد أضافوا إليها ما تمكّنوا عنه وما طار إليه فكرتهم ; حتّى بلغ ما بلغ ; بحيث تعدّ بآلاف من المباحث ، بعد ما كانت أوّل نشوئها بالغاً عدد الأصابع .
وينبّئك عن هذا ما نقله الشيخ الرئيس في تدوين المنطق عن المعلّم الأوّل : من أ نّا ما ورثنا عمّن تقدّمنا في الأقيسة إلاّ ضوابط غير مفصّلة ، وأ مّا تفصيلها وإفراد كلّ قياس بشروطه فهو أمر قد كددنا فيه أنفسنا[ 1 ] .
[1] اُنظر شرح المنظومة ، قسم المنطق : 6 ـ 7 ، الشفاء ، قسم المنطق 4 : 113 .