ثم تصل النوبة بعد هذه الى اعمال النفس و
اختيارها وارادتها بمقتضى سلطانه الذاتى وقوة الاختيار وقدرة الانتخاب التى جعلها
الله تعالى لذاتها فلها ان تختار وتنتخب , و لها ان لاتختار ولا تنتخب .
ثم اذا اختارت وانتخبت تصل النوبة الى حركة
العضلات نحو العمل , والارادة عين هذا الاختيار الفعلى والانتخاب الخارجى , هذا
اولا .
وثانيا : ظهر ان الارادة ليست فى طول الشوق
المؤكد بلا تخلل شىء , بل صفة الاختيار متخللة بينهما والشاهد على ذلك ان الانسان
كثيرا ما يتصور شيئا ذا المنفعة والفائدة ويصدق فائدتها و يشتاق اليه , ولكن مع
ذلك لايتصدى له فى الخارج ولا تترشح من النفس ارادة العمل لما يكون لها من صفة
الاختيار وقوته , و حينئذ نشاهد تخلل صفة الاختيار بين الشوق والارادة .
وبهذا تنحل مشكلة عدم اختيارية الارادة ,
فانه اذا كانت الارادة عبارة عن الاختيار الخارجى الفعلى والتصدى فى الخارج بمقتضى
صفة الاختيار الذاتية للانسان كانت ارادية واراديتها انما تكون بذاتها لابقوة
اختيارية اخرى حتى يتسلسل .
و ان شئت قلت : ان ارادية كل فعل انما هى
بالارادة , وارادية الارادة انما هى بصفة الاختيار الكامنة فى النفس وارادية صفة
الاختيار و اختياريتها انما هى بذاتها فان كل ما بالعرض ينتهى الى ما بالذات , و
ذلك مثل ان المعلوم يكون معلوما بتعلق العلم به والعلم معلوم بذاته لايتعلق علم
آخربه .
يبقى الكلام فى توضيح نكتة ان الارادة كيف
تترشح و تنشأ من صفة الاختيار الكامنة فى النفس و ان النفس تخلقها و توجدها بذاتها
وبلا وسائط اخرى خارجية , فنذكر فى هذا المجال ما افاده فى رسالة الطلب والارادة ,
و نعم ما افاد , فانه جدير بالدقة والتأمل واليك نص كلامه[ : ( اعلم ان الافعال
الاختيارية الصادرة من النفس على ضربين : احدهما ما يصدر منها بتوسط الالات
الجرمانية كالكتابة والصياغة والبناء
اسم الکتاب : انوار الأصول - ط مدرسة الامام اميرالمؤمنين المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر الجزء : 1 صفحة : 245