ودعوى انتساب [١] المجتنب عن الموهوم إلى أصحاب السوداء والجنون إنّما يسلّم في صورة المعارضة دون غيرها.
واعترض على الدليل بوجوه يرجع إلى منع الصغرى بعضها ، وإلى الكبرى بعضها الآخر ، وإلى عدم ترتّب النتيجة بعضها الثالث.
أمّا الثاني ، فوجوه : منها : ما أورده الحاجبي [٢] ، وأمّا لو قلنا بالتحسين والتقبيح العقليين على ما رآه العدلية ، فالعقل إنّما يحكم بأولوية دفع الضرر المظنون ، ولا يحكم بوجوبه.
وفيه أوّلا : أنّه لا فرق في العقول بين الضرر القطعي والظنّي ، فكما أنّ العقل يستقلّ بإدراك وجوب دفع الأوّل ، فكذا في الثاني ، كيف وهو من مباني أصول المعرفة كوجوب معرفة الله ولولاه ، لزم إفحام [٣] الأنبياء على ما قرّر الوجه في الجميع في محلّه ، وهذا القول منه وأضرابه ـ الذين ختم الله على قلوبهم وأبصارهم ـ ليس بعجب بعد إنكارهم أصل التحسين والتقبيح ، ولنعم [٤] ما قيل : من لا يعرف الفقه ، فقد صنّف فيه.
وثانيا : أنّ الأدلّة الشرعية قاضية أيضا بوجوب دفع الضرر ، فلا يتأتّى منه أيضا إنكار الكبرى كقوله تعالى : ( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ )[٥] وقوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ )[٦] وقوله : ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ )[٧].
[١] « ل » : استناد. [٢] شرح مختصر منتهى الأصول : ١٦٣ ؛ المتن لابن الحاجب والشرح لعضد الدين عبد الرحمن الإيجي ، ويعبّر عنه بـ « العضدي ». [٣] « ش » : انفحام. [٤] « ل » : نعم. [٥] النحل : ٤٥. [٦] النور : ٦٣. [٧] الحجرات : ٦.