وهذا الذي ذكرناه من دفع الاشكالين المتقدمين لا يفرق فيه بين مسلكنا ومسلك القوم في تفسير العلقة الوضعية ، فانّ تدريجية الوضع وعدم اختصاصه بشخص خاص لاتدع مجالاً للاشكال المزبور ، غاية الأمر أنّه بناءً على مسلكنا كان كل مستعمل واضعاً وإن كانت كلمة الواضع عند إطلاقها تنصرف إلى الواضع الأوّل ، إلاّ أنّه من جهة الأسبقية ، وهذا بخلاف غيره من المسالك كما لا يخفى.
فالمتحصّل ممّا ذكرناه أمران :
الأوّل : أنّ الله ( تبارك وتعالى ) ليس هو الواضع الحكيم.
الثاني : أنّ الواضع لا ينحصر بشخص واحد أو جماعة معينين على جميع المسالك في تفسير حقيقة الوضع.
في حقيقة الوضع
وأمّا الكلام في الجهة الثالثة : وهي تعيين حقيقة الوضع : فذهب بعض الأعاظم قدسسره[١] إلى أنّها من الامور الواقعية ، لا بمعنى أنّها من إحدى المقولات ، ضرورة وضوح عدم كونها من مقولة الجوهر ، لانحصارها في خمسة أقسام : العقل ، النفس ، الصورة ، المادة ، الجسم ، وهي ليست من إحداها ، وكذا عدم كونها من المقولات التسع العرضية أيضاً ، لأنّها متقوّمة بالغير في الخارج ، لاستحالة تحققها في العين بدون موضوع توجد فيه ، فانّ وجودها في نفسها عين وجودها لغيرها ، وهذا بخلاف حقيقة العلقة الوضعية فانّها قائمة بطبيعي اللفظ والمعنى ومتقوّمة بهما فلا يتوقّف ثبوتها وتحققها على وجودهما في الخارج ،