وهذا واضح ، ولذا يصح وضع اللفظ لمعنى معدوم بل مستحيل كما لو فرضنا وضع لفظ الدور أو التسلسل لخصوص حصّة مستحيلة منه لا للمعنى الجامع بينها وبين غيرها ، فلو كانت حقيقتها من إحدى هذه المقولات لاستحال تحققها بدون وجود اللفظ والمعنى الموضوع له.
بل بمعنى أنّها عبارة عن ملازمة خاصّة وربط مخصوص بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له ، نظير سائر الملازمات الثابتة في الواقع بين أمرين من الامور التكوينية ، مثل قولنا : إن كان هذا العدد زوجاً فهو منقسم إلى متساويين ، وإن كان فرداً فهو غير منقسم كذلك. فالملازمة بين زوجية العدد وانقسامه إلى متساويين ، وبين فرديته وعدم انقسامه كذلك ، ثابتة في نفس الأمر والواقع أزلاً ، غاية الأمر أنّ تلك الملازمة ذاتية أزلية وهذه الملازمة جعلية اعتبارية ، لا بمعنى أنّ الجعل والاعتبار مقوّم لذاتها وحقيقتها ، بل بمعنى أنّه علّة وسبب لحدوثها وبعده تصير من الامور الواقعية ، وكونها جعلية بهذا المعنى لا ينافي تحققها وتقررها في لوح الواقع ونفس الأمر ، وكم له من نظير.
وقد حققنا في محلّه أنّ هذه الملازمات ليست من سنخ المقولات في شيء كالجواهر والأعراض ، فانّها وإن كانت ثابتة في الواقع في مقابل اعتبار أيّ معتبر وفرض أيّ فارض كقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا)[١] فانّ الملازمة بين تعدد الآلهة وفساد العالم ثابتة واقعاً وحقيقة ، إلاّ أنّها غير داخلة تحت شيء منها ، فإن سنخ ثبوتها في الخارج غير سنخ ثبوت المقولات فيه ، كما هو واضح.
والجواب عن ذلك : أنّه قدسسره إن أراد بوجود الملازمة بين طبيعي