أقول : الإنصاف : أن تنزيل الآيات المذكورة على ما أفاده قدسسره في معناها من إثبات المعذوريّة فيما لا يكون هناك بيان أصلا ـ ولو بعنوان العموم ـ حسبما هو قضية العقل في باب البراءة ، فيكون الآيات مؤكّدة لحكم العقل فيثبت الأصل في المسألة ولا تكون من أدلّتها لا يخلو عن مناقشة.
ثمّ إن هذا على تقدير تسليم دلالة أخبار الاحتياط على وجوبه شرعا ، ظاهر في مطلق محتمل الإلزام ، أو خصوص محتمل الحرمة. وأمّا على تقدير كون مفادها مطلق الطلب القدر المشترك الشرعي ، أو الإرشادي ، أو خصوص الإلزام الإرشادي في محتمل العقاب والهلاكة الأخرويّة ، فلا يثبت بها على الأوّل ما ينافي دليل البراءة أصلا كما لا يخفى.
كما أنها مورودة بالنسبة إليه مطلقا على الثاني ، فيكون حالها حال حكم
نعم ، قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) من قبيل ما ذكره بناء على أن مفاده على ما مرّ : ما كنّا معذّبين حتّى نتمّ الحجّة بمعنى قطع العذر من قبلنا وأخبار الإحتياط حجّة بهذا المعنى. وكذا قوله [ تعالى ] : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) يعني عن حجّة بالمعنى المذكور.
وإن قلنا : بانّ معنى الآية الأولى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) حتّى نبيّن الواقعيّات ببيان الرّسول كما لا يبعد إرادته ، بل لعلّه ظاهر الآية ، فهي في عرض باقي الآيات تعارض أدلّة الإحتياط ، وهكذا الآية الثانية لو أريد بالبيّنة ما يبيّن الواقع لا ما يقطع العذر » إنتهى.