الدليل الأوّل : أنّه لا إذن بذلك من جهة الشارع ولم تظهر دلالة قطعية عقلية عليه.
الدليل الثاني : أنّه تواترت الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام بأنّه يجب سؤالهم عن كلّ ما لم يعلم ، ووجه الخلاص من الحيرة عند تعارض الأدلّة من جملة ما لم نعلم.
الدليل الثالث : أنّهم عليهمالسلام عيّنوا لنا طريقة الخلاص من تلك الحيرة في ضمن قاعدة شريفة آتية ، فلا يجوز العدول عنها إلى الوجوه الاستحسانية والامور الظنّية *.
الدليل الرابع : أنّه قد تقرّر في فنّ الآداب أنّ كلّ متكلّم أعلم بمراده ويجب الرجوع إليه في تعيين قصده ، فإذا كان التعارض في كلام الشارع يجب بمقتضى الآداب أيضا الرجوع إلى صاحب الشريعة.
ومن العجائب! ما وقع من بعض المتأخّرين من أصحابنا [١] حيث زعم أنّ القاعدة الاصوليّة المذكورة في كتب العامّة القائلة بـ « أنّ الجمع بين الدليلين مهما أمكن ولو بتأويل بعيد أولى من طرح أحدهما » جارية في أحاديث أئمّتنا عليهمالسلام وغفل عن أنّ تلك القاعدة إنّما تجري على مذهب العامّة ، لعدم حديث وارد من باب التقية عندهم ، وعن أنّها لا تتّجه عندنا ، لورود كثير من أحاديث أئمّتنا عليهمالسلام من باب التقيّة ، وكم من غفلة وقعت عن متأخّري أصحابنا الاصوليّين! والسبب فيها ألفة أذهانهم من صغر سنّهم بكتب العامّة ، وسبب الالفة أنّه كان المتعارف في المدارس والمساجد وغيرهما تعليم كتبهم ، لأنّ الملوك وأرباب الدول كانوا منهم والناس مع
* بعد أن ثبت العمل بخبر الواحد بدليل العقل والنقل وثبت من الشارع التعويل على الظنّ فيما لا يمكن تحصيل العلم فيه وهو دون الظنّ الحاصل بخبر الواحد ـ كما نبّهنا عليه سابقا ـ لا يتّجه ما ذكره.
والعجب من ادّعائه تواتر الأخبار على كلّ ما يريده من الدعاوي الواهية! ووجوب سؤالهم عليهمالسلام من ينازع فيه [٢] إذا أمكن ، والكلام كلّه فيما إذا تعذّر ذلك. وذكره لرجوع الظنّ إلى مجرّد الاستحسان كما تعتمده العامّة أعرف شيء في الجرأة على الأصحاب بمثل ذلك وإسناد باطل إليهم. والطريقة الّتي وعد بها نتكلّم عليها عند الوصول إليها بما تقتضيه الحال إن شاء الله.
[١] عوالي اللآلي ٤ : ١٣٦. [٢] الأولى في العبارة : عمّا ينازع فيه.