وبذلك اتضح انّه ليس لنا إرادة إنشائية
، وأمّا الطلب فله وجود تكويني وإنشائي ، ومعه كيف يمكن أن يتّحدان في مقام
الإنشاء مع أنّه ليس للإرادة فرد إنشائي؟!
وأمّا المرحلة الثالثة : أي عدم
اتحادهما مصداقاً ، فلأنّ الإرادة التكوينية من الأُمور النفسانية موطنها النفس
والطلب من الأُمور الجوارحية ، موطنها الخارج عن حيطة النفس ، فكيف يمكن الحكم
باتحادهما؟!
وبذلك تبيّن تغاير الطلب والإرادة في
المراحل الثلاث ، لكن لا بالمعنى الذي عليه الشيخ الأشعري ، فانّ الكلام النفسي
باطل ، ومع ذلك فالطلب يغاير الإرادة في عامّة المراحل.
ومن آفات التحقيق قلة التتبع ، وأنّ
أكثر المفكرين يغترون بإبداعاتهم دون أن يتحملوا عبء التحقيق ، وعلى ذلك فلا غرو
في رمي المحقّق الخراساني النزاعَ القائم بين الأشاعرة والمعتزلة طِوال قرون على
قدم وساق ، باللفظي وانّ من قال بالوحدة ، فقد رام وحدة كلّ مع الآخر ، مع حفظ
المرحلة ، فقال : إنّ كلاًمنهما متحدان مفهوماً وإنشاء ومصداقاً ، ومن قال بالتعدد
، فقد نسب الفرد الحقيقي من الإرادة مثلاً إلى الفرد الإنشائي منه ، ثمّ تبجّح قدسسره بتحقيقه وتصليحه فقال « ثمّ إنه يمكن
مما حققنا ان يقع الصلح بين الطرفين ولم يكن نزاع في البين بأن يكون المراد من
حديث الاتحاد ، ما عرفت من العينية مفهوماً ووجوداً حقيقياً وإنشائياً ، ويكون
المراد من المغايرة والاثنينية ، هو اثنينية الإنشائي من الطلب ، والحقيقي من
الإرادة.
ولكنّك بعد الوقوف على السير التاريخي
للمسألة تقف على عدم صحّة هذا النوع من التصالح وأنّ النزاع حقيقي ، كيف؟! وكان
النزاع بين الطائفتين ، عنيفاً ، والتاريخ يعبّر عنه بمحنة أحمد وأتباعه.