عَنِّي، فَإِنَّما رَقَّاهُ الْمُلاقُّونَ الْمَشَّاءُونَ بِالَّنمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَ كَذِبَ الْغاوُونَ الْمارِقُونَ، ما أَرَدْتُ حَرْباً وَ لا خِلافاً، وَ إِنّي لَاخْشَى اللَّهَ فِي تَرْكِ ذلِكَ مِنْكَ وَ مِنْ حِزْبِكَ الْقاسِطيِنَ الُمحِلِّينَ، حِزْبِ الظَّالِمِ، وَ أَعْوانِ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.
أَلَسْتَ قاتِلَ حُجْرٍ وَ أَصْحابِهِ الْعابِدِينَ الُمخْبِتِينَ الَّذِينَ كانُوا يَسْتَفْظِعُونَ الْبِدَعَ، وَيَأْمُروُنَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ؟! فَقَتَلْتَهُمْ ظُلْماً وَ عُدْواناً مِنْ بَعْدِ ما أَعْطَيْتَهُمُ الْمَواثيقَ الْغَلِيظَةَ، وَ الْعُهُودَ الْمُؤَكَّدَةَ جُرْأَةً عَلَى اللَّهِ وَ اسْتِخْفافاً بِعَهْدِهِ.
أَوَ لَسْتَ بِقاتِلِ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الَّذِي أَخْلَقَتْ وَ أَبْلَتْ وَجْهَهُ الْعِبادَةُ؟ فَقَتَلْتَهُ مِنْ بَعْدِ ما أَعْطَيْتَهُ مِنَ الْعُهُودِ ما لَوْ فَهِمَتْهُ الْعُصْمُ نَزَلَتْ مِنْ شَعَفِ الْجِبالِ.
أَوَ لَسْتَ الْمُدَّعى زياداً فِي الْإِسْلامِ، فَزَعَمْتَ انَّهُ ابْنُ ابي سُفْيانَ، وَ قَدْ قَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: «أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِراشِ وَ لِلْعاهِرِ الْحَجَرَ». ثُمَّ سَلَّطْتَهُ عَلى أَهْلِ الْاسْلامِ يَقْتُلُهُمْ وَ يُقَطِّعُ أَيْدِيَهُمْ وَ أَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلافٍ، وَ يُصَلِّبُهُمْ عَلى جُذُوعِ النَّخْلِ؟
سُبْحانَ اللَّهِ يا مُعاوِيَةُ! لَكَأَنَّكَ لَسْتُ مِنْ هذِهِ الْامَّةِ، وَ لَيْسُوا مِنْكَ أَوْ لَسْتَ قاتِلَ الْحَضْرَمِيَّ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْكَ فيهِ زِيادُ أَنَّهُ عَلى دينِ عَلىٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَ دينُ عَلىٍّ هُوَ دينُ ابْنُ عَمِّهِ صلى الله عليه و آله الَّذي أَجْلَسَكَ مَجْلِسَكَ الَّذي أَنْتَ فيهِ، وَ لَوْ لا ذلِكَ كانَ أَفْضَلُ شَرَفِكَ وَ شَرَفِ آبائِكَ تَجَشُّمَ الرِّحْلَتَيْنِ: رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ، فَوَضَعَهَا اللَّهُ عَنْكُمْ بِنا مِنَّةً عَلَيْكُمْ، وَ قُلْتَ فيما قُلْتَ: لا تَرُدَّنَّ هذِهِ الْأُمَّةَ في فِتْنَةٍ. وَ إِنّي لا أَعْلَمُ لَها فِتْنَةً أَعْظَمَ مِنْ إِمارَتِكَ عَلَيْها.
وَ قُلْتَ فيما قُلْتَ: انْظُرْ لِنَفْسِكَ وَ لِدِينِكَ وَ لِامَّةِ مُحَمَّدٍ. وَ إِنّي وَاللَّهِ ما أَعْرِفُ افْضَلَ مِنْ جِهادِكَ، فَإِنْ أَفْعَلْ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ إِلى رَبِّي، وَ إِنْ لَمْ أَفْعَلْهُ فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِدينى، وَ أَسْأَلُهُ التَّوْفيقَ لِما يُحِبُّ وَ يَرْضى.
وَ قُلْتَ فيما قُلْتَ: مَتى تَكِدْنِي أَكِدْكَ، فَكِدْني يا مُعاوِيَةُ فيما بَدالَكَ، فَلَعَمْري لَقَديماً يُكادُ الصَّالِحُونَ، وَ إِنّي لَارْجُوا أَنْ لا تُضِرَّ، إِلّا نَفْسَكَ وَ لا تَمْحَقُ إِلّا عَمَلَكَ، فَكِدْني ما بَدالَكَ، وَاتَّقِ اللَّهَ يا مُعاوِيَةُ! وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ كِتاباً لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَ لا كَبيرَةً إِلّا أَحْصاها، وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِناسٍ لَكَ قَتْلَكَ بِالظَّنَّةِ، وَ أَخْذَكَ بِالتُّهْمَةِ، وَ إِمارَتِكَ صَبيّاً يَشْرَبُ الشَّرابَ،