هذه الفطرة التوحيدية في الإنسان فيعود إلى ربّه وخالقه.
ثم أشار في العبارة الثالثة إلى ما يمكن تسميته ببرهان الابداع فقال عليه
السلام:
«خلق الخلق من غير روية، إذ كانت
الرويات لاتليق إلّابذوي الضمائر [1]، وليس بذي ضمير في نفسه».
نعلم أنّ جميع المصنوعات البشرية إنّما تعود إلى الفكر والبرمجة والخطط
والمشاريع المسبقة، وهذه بدورها إلى المخلوقات والمصنوعات في هذا العالم. أي كل
ما يصنعه الإنسان فقد شاهد شبيهه في عالم الخلقة، كما قد يركب أحيانا بين عدة
أشياء ليصنع منها شيئاً معيناً، فقد يحتذي بطيور البحر في صنعه للسفينة وبخلقة
الطيور في صنعه للطائرة وهكذا، وعليه فهو يحتاج إلى التفكير في صناعته من جانب،
ويحتاج إلى موجودات اخرى لكي يقلدها ويستعين بها في صناعته من جانب آخر. أمّا
الابداع بمعنى الخلق دون الحاجة إلى التفكير أو النموذج للاقتداء فانّما يختص به
وحده سبحانه. ثبت اليوم أن على الأرض فقط ملايين الأنواع من النباتات و الحيوانات
و الحشرات، حيث لم تكشتف بعد للإنسان لأنها تعيش فى أعمال البحار أو في متاهات
الغايات أو في الصحاري النائية و المناطق القطبية، و كل ذلك يرمز إلى الإبداع
الإلهي في عجائب خلقتها، و يشير هذا الإبداع إلى وجوده و علمه و قدرته.
و بغض النظر عن كل ذلك فإن الصناعات البشرية إنما تتكامل مع تقادم الزمان و
الإنفتاح على تجارب الآخرين، و الحال مخلوقات اللَّه ليست كذلك، فتكاملها يستند
إلى ذاتها، لا إلى التجارب الجديدة.