فمن البديهي أن تقود الأهواء المجتمع إلى مستنقع الضلالة، فاذا رافقها العجب
والخيلاء لسقط في ذلك المستنقع.
ثم قال عليه السلام:
«واستخفتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى
في زلزال من الأمر، وبلاء من الجهل».
وهكذا يتجسم بؤس هؤلاء القوم وشقائهم في الجهل والضلال والأهواء والافتتان
والتكبر؛ الرذائل التي تكفي كل واحدة منها في سقوط المجتمع، فضلاعن جمعها مع بعضها
فيه.
ومن هنا يتبيّن مدى حجم مشاكل عصر الجاهلية وتعقيدها وتهديدها للمجتمع، كما
يتضح على سبيل اليقين أنّ من يتغلب عليها، إنّما استند إلى التأييد الإلهي
والغيب والامداد.
ثم أشار عليه السلام في آخر الخطبة إلى جهود النبي صلى الله عليه و آله ومدى
نصحه للقوم بذلك الاسلوب الروحي الذي يستند إلى الوحي السماوي حتى نفذ إلى
القلوب:
«فبالغ في النصيحة، ومضى على الطريقة،
ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة».
فالواقع أن عناصر تقدم البعثة النبوية والتطور الذي أحرزه النبي صلى الله عليه
و آله على صعيد الرسالة إنّما يكمن في أربع: الأول: النصح وإرادة الخير، بحيث أيقن
الناس أنّه يسعى جاهداً من أجل نجاتهم. الثاني: كان ممن قرن القول بالعمل،
فيأتمربما يأمر وينتهي عما ينهى.
الثالث: قد دعا اولئك الناس الذين أصيبوا بالجهل والخرافة والحيرة والضلال
إلى العلم والمعرفة. وأخيراً كان يدعوا إلى ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة
والكلمات الرقيقة التي تخترق القلوب.
وقد ذكر البعض من شرّاح نهج البلاغة تفسيراً آخر للعبارتين الآخيرتين، وهو أنّ
النبي صلى الله عليه و آله كان يدعو الناس إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، كما
ورد ذلك في الآية الشريفة: