أجل، كما قلنا مراراً أنّ التقوى تعني الاحساس بالمسؤوليّة الباطنيّة في مقابل
الأوامر الإلهيّة، فهي تمثّل عصارة تعاليم جميع الأنبياء والأولياء وبدونها لا
يستطيع أي شخص الخلاص من الوساوس الشيطانيّة والأهواء النفسانيّة، فمفتاح الجنّة
هو التقوى، والمركب الذي يركبه السائل في مراتب السلوك المعنوي والقرب الإلهي هو
الورع.
ثمّ إنّ الإمام عليه السلام في الوصيّة الثانية والثالثة يقول:
ومعلوم أنّ الدنيا ذات أبعاد وأقسام مختلفة: قسم منها ضروري لحياة الإنسان
وبقائه، والقسم الآخر يتمثّل في وسائل الترفيه بالشكل المعقول، ولكن القسم الذي
يتضمّن أكثر من ذلك والإنسان يتجه نحوه بدافع الأهواء والتفاخر وأمثال ذلك، وبديهي
أنّ الإمام عليه السلام لا ينهى عن القسم الأوّل والثاني، بل هو ناظر إلى القسم
الثالث، كما ورد هذه المعنى في القرآن الكريم: «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ»[3] وقطعاً إذا
تحرك الإنسان بهذا الاتجاه من طلب الدنيا فإنّ ذلك يبعده عن اللَّه والآخرة ويدفعه
للتلوث بأنواع الذنوب والمعاصي.
، فالعلّة في ذلك جلية لأنّ التأسف على شيء فقده الإنسان في الماضي لا يعيده
إليه، هذا أوّلًا، وثانياً، إنّ هذه الحالة السلبية في النفس من شأنها إعاقة
الفعاليات الإيجابيّة وعدم تركيز الاهتمام لحفظ ما يملكه الإنسان حالياً.
وهذا الكلام في الحقيقة مقتبس من القرآن الكريم ويقول: «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا
بِما آتاكُمْ»[4].
[1]. «تبغيا» و «بغت» كلاهما من مادة
«بغاء» على وزن «سناء» بمعنى طلب الشيء.
[2]. «زوى» من مادة «زيّ» على وزن
«حيّ» وتعني الإبعاد والنهي، وفي الجملة أعلاه «زوي» بمعنى اخذ.