responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نفحات الولاية المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 10  صفحة : 177

إنّ رجال اللَّه يعيشون دوماً بين حالات الخوف والرجاء، وبالتالي يدفعهم ذلك إلى‌ البكاء شوقاً وخوفاً، فكيف بالإمام علي عليه السلام وهو إمام العارفين ومقتدى السالكين في طريق الحقّ والمعنويّة؟

ثمّ إنّ الإمام عليه السلام يستعرض في العبارات التالية جملة من التشبيهات الأخرى‌ ويقول:

«أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ [1] مِنْ رِعْيِهَا [2] فَتَبْرُكَ‌ [3]؟ وَتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ [4] مِنْ عُشْبِهَا [5]

فَتَرْبِضَ؟ وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ‌ [6]! قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ‌

الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ [7]، وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ [8]!».

وبالرغم من أنّ الإمام عليه السلام في هذه العبارات يتحدّث عنه نفسه، ولكن كلامه في الواقع درس لأبناء الدنيا الذين لا همّ لهم في الحياة سوى التمتع بالملذات الرخيصة، فهم يشبهون الأغنام والدواب التي لا تهتم إلّاللأكل والعلف والنوم والراحة، فما أقبح بالإنسان أن يهبط من أوج عظمة الإنسانيّة ويدرج نفسه مع الحيوانات وينزل بمستواه إلى‌ مصاف الدواب السائمة في المراتع، وكما يقول الشاعر:

أتَعمى عَنِ الدُّنيا وَأنتَ بَصيرُ

وَتَجهلُ ما فِيها وَأنتَ خَبيرُ

وتُصبِحُ تبنِيها كَأَنَّكَ خَالِدُ

وَأنتَ غَداً عَمّا بَنيتَ تَسيرُ

وَترفَعُ فِي الدُّنيا بناءَ مُفاخِرِ

وَمَثواكَ بيتُ فِي القُبُورِ صَغيرُ

وَدُونَكَ فاصنَعْ كُلَّما أنتَ صانِعُ‌

فإنَّ بُيُوتَ الميتِينَ قُبُورُ [9]

تأمّل‌

الرياضة المشروعة وغير المشروعة

إنّ مسألة رياضة النفس ومنذ القديم تقسّم إلى‌ قسمين: رياضة البدن، ورياضة النفس، أمّا رياضة البدن فتتمثّل في أنواع الألعاب الرياضية التي تمتد في التاريخ البشري ولها سابقة تاريخيّة طويلة، وحتى المسابقات العالمية الحالية مقتبسة من عصر اليونان القديم ومناطق اخرى من العالم، وأمّا رياضة النفس والتي تتحقق عن طريق ترك المشتهيات النفسانيّة وتؤدّي إلى‌ تقوية روح الإنسان وإرادته وتمتد كذلك في التاريخ، فهي المعروفة عن المرتاضين الهنود، وحقيقة هذه الرياضية هي أنّ الإنسان بتركه وإعراضه عن رغباته النفسانيّة وعدم استسلامه لجواذب الشهوة بإمكانه أن يحصل على قوّة عظيمة بحيث أحياناً يستطيع انجاز أعمال خارقة للعادة.

وطبعاً الرياضيات النفسانيّة بدورها تنشعب في هدفها والغرض منها إلى: أهداف مادية، وأخرى معنويّة، أمّا الأهداف المادية فتتمثّل بالقدرة على الإتيان بأعمال خارقة للعادة والتوصل من خلالها إلى‌ بعض المنافع الدنيويّة وتحصيل الجاه والمقام، وأمّا الهدف المعنوي فهو القرب من اللَّه تعالى وتطهير الروح من الرذائل الأخلاقيّة وتحكيم إرادة الإنسان على شهواته وضبط رغباته وترك ما تدعوه إليه نفسه من الرذائل والمنكرات.

وما ورد من كلام الإمام عليه السلام في هذه الرسالة ناظر إلى‌ القسم الثاني من الرياضية المعنويّة في قوله:

«إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ»

، وقوله:

«لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى‌ الْقُرْصِ».

وقد ذكر ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة في ذيل الخطبة 220 (الخطبة 214 في شرح ابن أبي الحديد) بحثاً مفصلًا في موضوع رياضة النفس وأقسامها وتحدّث في تأثير الجوع في صفاء النفس ونقائها، ثمّ نقل كلمات الفلاسفة والحكماء في المكاشفات التي تحصل للإنسان من رياضة النفس، وضمن كلامه‌


[1]. «السائمة» الحيوان الذي يترك ليرعى في الصحراء، من مادة «سوم» على وزن «قوم».

[2]. «رعيها» تعني العلف الذي يأكله الحيوان أثنا الرعي، من مادة «رعى» على وزن «وحى».

[3]. «تبرك» من مادة «بُروك» بمعنى الاستقرار والهدوء على الأرض.

[4]. «الربيضة» قطيع الغنم وأمثال ذلك عندما يعود مع الراعي إلى‌ محل استقراره أي الحضيرة. من مادة «ربض» و «ربوض» على وزن «قبض» و «قبوض» أي جمع الحيوان ليده ورجله للجلوس على الأرض.

[5]. «عشب» النباتات الرطبة في مقابل الحشيش وهو النباتات الجافة.

[6]. «يهجع» من مادة «هجوع» على وزن «ركوع» بمعنى النوم الخفيف.

[7]. «الهاملة» الحيوان المتروك من مادة «همل» على وزن «حمل» بمعنى ترك الحيوان بدون راعي.

[8]. «المرعية» اسم مفعول من مادة «رعى» على وزن «سعى» وهو الحيوان الذي يساق للمرعى.

[9]. مجاني الأدب، ج 2، ص 37.

اسم الکتاب : نفحات الولاية المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 10  صفحة : 177
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست