كما تمّت الإشارة إليه آنفاً فقد كان زياد في الأصل يدعى زياد بن عبيد، وكان
أبوه عبداً وراعياً وكانت امّه جارية أبي حارث بن كلدة الطبيب العربي المعروف،
وأحياناً يقال له: زياد بن أبيه، وأخرى زياد بن امّه، لأنّ أباه عبد وليس له مكانة
اجتماعيّة في الناس، وبعد أن ألحقه معاوية بنفسه صار يقال له زياد بن أبي سفيان
وكان منذ صباه ذكياً وخطيباً مفوهاً وبليغاً، ولد في الطائفة في عام فتح مكّة،
وقيل إنّه ولد في عام الهجرة وقال آخرون أنّه ولد يوم بدر، ولكنّه لم يشاهد النّبي
الأكرم صلى الله عليه و آله، وكان مع أميرالمؤمنين عليه السلام في جميع حروبه،
وبقي مع الإمام الحسن عليه السلام إلى زمان صلحه مع معاوية، وبعد ذلك خدعه معاوية
وطلب منه المجيىء إليه وتوفي زياد في الكوفة في شهر رمضان عام 53 في سن 56 (وذهب
بعضهم إلى أنّ عمره أكثر من ذلك أو أقل).
أمّا سيرة حياته فتتشكل من مرحلتين متفاوتين تماماً، المرحلة الاولى كان يتحرك
في خط الحقّ، وكان رجلًا موثوقاً ومديراً مدبراً، ولهذا السبب عيّنه الإمام علي
عليه السلام والياً له على فارس، وقد أدار المنطقة بشكل جيد وكا يجمع الخراج بأفضل
صورة ويرسله إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فبلغ ذلك إلى معاوية واشتد عليه هذا
الأمر، فكتب له رسالة وذكر له في مضمونها: أمّا بعد فإنّه غرّتك قلاع تأوي إليها
ليلًا، كما تأوي الطير إلى وكرها، وأيّما اللَّه لولا انتظار بك واللَّه أعلم به
لكان لك منّي ما قاله العبد الصالح:
«فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّاقِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ
مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ»[1] وكتب في أسفل الكتاب شعر من جملته:
تَنسى أَبَاكَ وَقَد شَالتْ نُعُومَتُهُ
إذا يَخطب
النّاسَ وَالوَالِي لَهُم عُمَرُ
فلمّا ورد الكتاب على زياد قام فخطب الناس وقال: العجب من ابن آكلة الأكباد