أو أصحاب النهروان الذين سقطوا في فخ الشيطان، إلّاأنّها لاتقتصر عليهم البتة،
بل هى رسالة واضحة (لكافة الأفراد من أجل مراقبة الشيطان وعدم فسح المجال أمامه.
فقد تكفّلت الخطبة بتبيين المراحل التي يعقبها تسلل الشيطان في أتباعه، حيث
شرحها الإمام عليه السلام بما عرف عنه من فصاحة وبلاغة وتشبيه رائع بحيث لايمكن
تقديم صورة فنية أروع من تلك التي رسمها الإمام عليه السلام. فقد أشار في المرحلة
الاولى إلى أنّ هذا التسلل والنفوذ إلى الإنسان إختيارى ولايمت بصلة إلى
الاجبار. فالإنسان هو الذي يعطيه الضوء الأخضر ويدعه يلجه ويتصرف بوجوده حتى يجعله
ملاكاً ومعياراً لنشاطاته وفعالياته
«إتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً»
. فملاك من مادة ملك بمعنى أساس الشيء ودعامته، كأن يقال القلب ملاك البدن،
أي أن أساس وقوام البدن هو القلب وهذا هو الأمر الذي أشار إليه القرآن الكريم
بوضوح على لسان آياته «إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ
سُلْطانٌ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّما
سُلْطانُهُ عَلى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ»[1]. بناءاً على
هذا فالعبارة المذكورة كالآيات القرآنية بمثابة رد على أولئك الذين يتساءلون عن
سلطة الشيطان على بني آدم فيقولون: كيف سلط اللَّه سبحانه هذا المخلوق الخطير
على الإنسان ثم طالبه بعدم إتباعه.
فالعبارة تقول أنّ الشيطان لايخترق الجدران غيلة، بل يأتي من الباب ويطرقها
فان فتح له ولج وإلّا عاد من حيث أتى. صحيح أنّه يصر على طرق الباب دون الشعور
بالكلل والملل، لكن بالمقابل هنالك الملائكة الذين يهبون لنجدة الإنسان ويحذروه من
مغبة فتح الباب. ثم أشار في المرحلة الثانية إلى الانتخاب الذي يتولاه الشيطان
بعد ذلك الانتخاب حيث يصطفى هؤلاء كاعوان وشركاء «واتخذهم له اشراكاً» [2] ثم وضح عليه
السلام ذلك بقوله: «فباض وفرخ في صدورهم» [3]. فالإمام عليه السلام يشبه صدور تبعة الشيطان بعش إبليس
الذي يبيض فيه ويفرخ. ثم قال عليه السلام: «و دب ودرج في حجورهم». صرّح بعض شرّاح
نهج البلاغة بان دب من مادة الدبيب بمعنى الحركة البطيئة الضعيفة، والدرج الحركة
الأقوى منها كحركات الطفل في حضن