كان الأشخاص المتنفّذون يشفعون للمخطئين عند أصحاب السلطة قبل نزول القرآن
بآلاف السنين، إلّاأنّ الشفاعة السائدة بين أوساط الناس تختلف عن الشفاعة في منطق
القرآن والأديان السماوية بفارق واحد مهم وواضح وهو: أنّ الشفاعة في المجتمعات
الإنسانية غالباً ما يُقصد بها قبول شخص متنفّذ للحاجة إليه في وجه من الوجوه،
ولذلك تقبل شفاعته في حق المخطيء، لكي يستفيد من الشافع في الظرف المناسب لبلوغ
بعض الغايات!
فالملوك مثلًا كانوا يقبلون شفاعة حواشيهم ورجال دولتهم في بعض المجالات لكي
يعظموهم ويمّجدوهم وليستفيدوا منهم في انجاز أعمالهم في الوقت المناسب.
وكذلك كان الشفعاء يأخذون بنظر الاعتبار علاقتهم الشخصية بالمشفوع له، وليس
أهليته ومدى استحقاقه لها.
ولكن لما كان اللَّه غنيّاً بالذات وغير محتاج على الاطلاق، فالشفاعة لديه
تأخذ طابعاً آخر وهو أنّ الشفعاء لديه ينظرون إلى المخطئين ليروا مَن مِنهم ينال
رضا اللَّه بسبب بعض النقاط الإيجابية لديه كالإيمان والعمل الصالح، فيشفعون له
عند اللَّه لأجل هذه الجوانب الإيجابية، وهذا هو الفارق الشاسع بين الشفاعة
المتداولة بين الناس وشفاعة أولياء اللَّه لديه، إذ أنّ الاولى قائمة على
العلاقات في حين أنّ الثانية قائمة على الضوابط والاستحقاقات:
ومن هذا المنطلق يمكن الردّ على بعض المنتقدين الجهلة الذين يرون الشفاعة
نوعاً من الوساطة أو أنّها بمثابة الضوء الأخضر للمذنبين، وقارنوها بشفاعة حواشي
الملوك المتجبّرين، فالأسس التي تقوم عليها الشفاعة في مفهومها الشرعي تعتبر
بنّاءة ومبنية على عوامل اللياقة والاستحقاق، في حين تنبع الشفاعة المتعارفة بين
الناس في أغلب أشكالها من الحاجة المتبادلة بين الطرفين وترتكز على العلاقات
الخاصة والشخصية غير المنطقية.