وعلى هذا المنوال فعذابه لا نظير له، وتوثيقه في الحبال لم يجر على أحدٍ من
قبله ولا من بعده على ضوء الآية.
وهذه التعابير بشكل عام تحمل أبعاداً تربوية تحثّ الناس على خشية اللَّه
وتجنّب أليم عقابه، لأنّ أذهان الناس قد اعتادت على أنّ «اللَّه أرحم الراحمين»
فهو لا يعذّب عباده وإذا عاقبهم فعقوبته خفيفة جدّاً، وهذا الوهم يدفع إلى الجرأة
على ارتكاب المعاصي والذنوب، ولذلك يفصح القرآن وبشكل صريح عن وجود ذلك العذاب
ليخرج الناس هذه التخيّلات الباطلة من أذهانهم ويراقبوا أعمالهم.
وانعكس نفس المعنى في الآية الثالثة إلّاأنّه ورد بتعبير آخر فهي تتحدث عن
الكفّار الذين يديرون ظهورهم للحق فتقول: «فَيُعَذِّبُهُ
اللَّهُ العَذَابَ الاكبَرَ».
«والعذاب الاكبر»: إشارة إلى عذاب يوم القيامة في قبالة العقوبات الدنيوية
التي وُصِفت «بالعذاب الأدنى» كما نصت من سورة السجدة: «وَلَنُذِيقَنَّهُم
مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدنَى دُونَ العَذَابِ الأَكبَرِ». (سجدة/ 21)
وتجدر الإشارة إلى أنّ العذاب الإلهي في الدنيا قد يكون أحياناً شديداً جدّاً
بحق القوم المجرمين كما حصل لقوم لوط إذ دَكَّ مدنهم وقُراهم دكّاً وجعلهم هم
وإيّاها قاعاً صَفْصَفاً، ومع ذلك فهذا العذاب يبقى عذاباً أدنى في مقابل عذاب
القيامة وهذا ما يُنْبيء عن شدّة العقوبة يوم القيامة.
وفي الآية الرابعة ورد تبيان لقسم من العذاب الصارم الذي يلقاه أصحاب النّار،
فيقال يومذاك لمنكري القيامة ومحكمة العدل الإلهي، اذهبوا إلى ماكنتم به تكّذبون:
«انْطَلِقُوا الَى ظِلٍّ ذِى ثَلَاثِ
شُعَبٍ* لَّاظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِى مِنَ اللَّهَبِ* انَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ
كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ».