تبلغ شدّة العذاب في يوم القيامة إلى الحد الذي يتمنّى فيه المجرم كما وصفهُ
القرآن في الآيات من بحثنا قائلًا: «يَوَدُّ
الْمُجْرمُ لَوْ يَفتَدِى مِن عَذَابِ يَومِئِذٍ بِبَنِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ
وَاخِيهِ* وَفَصِيلَتِهِ الَّتِى تُئْوِيهِ* وَمَنْ فِى الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ
يُنجِيهِ»[1].
فيتبيّن من هذا التعبير وبكل وضوح أنّ العذاب الإلهي في ذلك اليوم شديد جدّاً
ورهيب حتّى أنّ المجرم يغدو مستعداً للتضحية، بجميع ثروته وكل أعزّائه بل وبجميع
سكان الأرض ليخلِّص نفسه (و لا تعبير أفصح ولا أبلغ من هذا)، ولكن ما الفائدة لأنّ
أيّاً من هذه التضحيات لا تُقبل منه، فيقع ضحيّة أعماله وعواقبها المؤلمة.
وبعد أن تشير الآية الثانية إلى صحوة المجرمين يوم القيامة وندمهم وشدّة
أسفهم على تفريطهم في أداء الفرائض الرّبانية، تقول: «فَيَوْمَئِذٍ لَّايُعَذِّبُ عَذابَهُ احَدٌ* وَلَا يُوثِقُ
وَثَاقَهُ أَحَدٌ»[2].
[1]. كلمة «الفصيلة» مأخوذة عن المصدر
«الفصل» ويعني الافتراق والانقسام وتعني هنا العشيرة والقبيلة التي جاء منها
الإنسان.
[2]. يعود الضمير في «عذابه» و
«وثاقه» إلى اللَّه تعالى، واحتمل بعض المفسرّين كالآلوسي في روح المعاني
والبرسوئي في روح البيان رجوع الضمير على الإنسان لكن هذا الاحتمال يبدو بعيداً
جدّاً.