هذا و لكن في الآية نفسها إبهام فإن كون جملة «إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ» بمعنى الافتراع غير واضح، الا ان بعض القرائن الداخلية و الخارجية رافعة
للإبهام عنها، منها قوله تعالى «أَيُّهُمْ
يَكْفُلُ مَرْيَمَ» و قوله «إِذْ يَخْتَصِمُونَ» و غير واحد من الروايات الواردة في تفسير الآية التي تأتي الإشارة إليها، و
ذهاب المفسرين إليه.
ففي الآية دلالة على ان القرعة كانت مشروعة لرفع النزاع و الخصومة في الأمم
السالفة و يمكن إثباتها في هذه الأمة أيضا بضميمة استصحاب الشرائع السابقة، مضافا
الى ان نقله في القرآن من دون إنكار دليل على ثبوتها في هذه الشريعة أيضا و الا
لوجب التنبيه على بطلانها في هذه الشريعة.
هذا و لكن في كون المورد من قبيل التشاح في الحقوق إبهاما، لعدم ثبوت حق لعباد
بني إسرائيل على مريم، اللهم الا ان يقال ان نذرها للّه و لبيته يوجب ثبوت حق لهم
عليها في حضانتها؛ و لما لم يكن هناك طريق آخر الى تعيين من هو أحق بحضانتها انحصر
الطريق في القرعة (فتأمل) و لا يخفى ان مورد القرعة في الآية ليس له واقع محفوظ،
يراد استكشافه بها، فليكن هذا على ذكر منك.
و منها- قوله تعالى:
وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى
الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ[1] و المساهمة هو
الاقتراع، قال الراغب في مفرداته «فَساهَمَ
فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ» «استهموا
اقترعوا» و قال أيضا: السهم ما يرمى به و ما يضرب به من القداح و نحوه.
و قال في القاموس: السهم الحظ. و القدح يقارع به.
و الظاهر ان كون المساهمة أو الاستهام بمعنى المقارعة و الاقتراع من جهة كون
الغالب في مقارعتهم ان تكون بسهام مخصوصة يكتب عليها ما يعين المقصود عند خروجها