و لما كان مَرَدّ حكم التكفير إلى اللَّه ورسوله لم يَجُز أن نُكَفِّر إلّا من
دلّ الكتاب والسنَّة على كفره دلالة واضحة، فلا يكفى في ذلك مجرّد الشبهة والظن،
لما يترتّب على ذلك من الأحكام الخطيرة، وإذا كانت الحدود تُدْرأ بالشبهات، مع أن
ما يترتّب عليها أقلّ ممّا يترتّب على التكفير، فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات؛
ولذلك حذر النبى من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر، فقال: «أيّما امرئ قال
لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، ان كان كما قال وإلّا رجعت عليه». وقد يَرِد
في الكتاب والسنّة ما يُفهم منه أن هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر، ولا يكفر
من اتصف به، لوجود مانع يمنع من كفره، وهذا الحكم كغيره من الاحكام التي لا تتمّ
إلّابوجود أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها كما في الإرث، سببه القرابة- مثلًا-
وقد لا يرث بها لوجود مانع كاختلاف الدين، وهكذا الكفر يُكره عليه المؤمن فلا يكفر
به. وقد ينطق المسلم بكلمة الكفر لغلبة فرح أو غضب أو نحوهما فلا يكفر بها لعدم
القصد، كما في قصّة الذي قال:
«اللهم أنت عبدي وأنا ربك» أخطأ من شدّة الفرح.
والتسرُّع في التكفير يترتّب عليه أمور خطيرة من استحلال الدم والمال، ومنع
التوارث، وفسخ النكاح، وغيرها ممّا يترتّب على الردة، فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم
عليه لأدنى شبهة.