الثّاني: أنّ الحساب الجاري في الواقع وديعة و أمانة من قبل النّاس لدى
البنوك، يعني أنّ صاحب الحساب يضع أمواله بعنوان أمانة لدى البنك، و له أن يأخذ
أيّ مقدار منها متى شاء، غاية الأمر أنّه يأذن في التّصرف للبنك في هذه الأموال و
تبديلها، و على هذا الأساس تكون ماهيّة الحساب الجاري في حقيقتها هي ماهيّة
الأمانة و الوديعة المقارنة مع الوكالة في التّغيير و التّبديل، (فتأمّل).
هذه النّظريّة أقرب إلى تصوّر العرف العام لمفهوم الحساب الجاري، فإنّهم يرونه
كالأمانة لدى البنك. و لكن يطرح هنا سؤال هو: هل إنّ موضوع هذه الأمانة هو شخص
المال الموجود في الخارج، أو إنّها تكون في الذمّة؟ فلو كان موضوعها هو المال
الخارجي، فيجب على البنك أن يكون له احتياطي بمقدار الودائع المصرفيّة للنّاس،
لأنّ متعلق الوكالة هو التّغيير و التّبديل، و مفهومها أنّ البنك يستطيع أن يتصرّف
في الودائع و يستبدلها بمثلها، و يضع مبالغ مماثلة لها في صندوقه في حين أنّ
البنوك الفعليّة لا تسلك هذا السبيل، و لا ترى نفسها ملزمة بأن تدّخر احتياطيّاً
مساوياً للودائع فيها. و على هذا الأساس، لا يمكن أن يقال إنّ موضوع هذه الأمانة
هو الشيء الخارجي، بل إنّها أمانة في الذّمة، سواء كانت ذمّة شخصيّة (إذا كان
مالك البنك شخصاً أو أشخاصاً معينين)، أو ذمّة حقوقية (في صورة أن يكون مالك البنك
شخصية حقوقية) و في هذه الصّورة تضحى الأمانة نوعاً من أنواع