بين العقلاء من قديم الأيّام حين اختار الإنسان الحياة الاجتماعية و الشارع
المقدس أمضاها بقيود و شروط.
و من المعلوم أنها شرعت بين العقلاء لحفظ مصالح المجتمع و غبطة الناس صغيرهم و
كبيرهم، و إن قلّ من قام بها و أدى حقّها، و لكن كلّ يدعيه، فالحكومة على هذا
الأساس قد أمضاها الشرع المقدس، فلا يكون الفقيه و لا غيره مجازاً في الأخذ بغير
ما فيه مصلحة للناس.
كما أن حديث «مجاري الأمور» و هو من أحسن ما يدلّ على ولاية الفقيه أيضاً
ينادي بأعلى صوته أن مجاري أمور إصلاح المجتمع و إقامة نظام الأمّة بيده لا
مجاريها بما يريدها و إن كان فيه ضرراً على الأمّة أو لم يكن فيه هذا و لا ذاك.
و كذا رواية «الحوادث الواقعة» فإنها إشارة إلى الحوادث المهمّة التي ترتبط
بكيان الأمّة و حياتها و سعادتها، بل لو قلنا بأنها تشمل كلّ حادثة فلا شكّ أن
الرجوع إليهم إنّما هو لإصلاح أمر الحوادث، و الأخذ بما هو أنفع و أصلح، لا أن
الأمر مفوض إلى الفقيه يأتي بما يشاء و يحكم بما يريد.
و كذلك الحال في غير هاتين الروايتين.
ثانيها: أن سيرة النبي (صلى الله عليه و آله) الأعظم و وصيه أمير المؤمنين
(عليه السلام) التي هي الأساس لولاية الفقهاء لم تستقر إلّا على ذلك، فلم ترَ في
مورد من الموارد إلّا الأخذ بما هو صلاح الأمّة و ما هو أجمع لمصلحة المؤمنين، بل
لم نرَ مورداً أخذا بما فيه بمصلحة شخصيهما، و كلماتهما مشحونة بما ذكرنا كما تأتي
الإشارة إلى بعضها.
نعم قد ورد في روايات عديدة أن الدنيا (أو الأرض) كلّها لله و لرسوله و
للأئمّة (عليهم السلام) و عقد له في الكافي باباً [1] و لكن مع ذلك لم يعملوا بين الناس إلّا بما
ورد في الشرع من الحقوق.