أمّا المقام الثّاني: أعني كون الفقيه الجامع للشرائط أولى بذلك من غيره فقد
يستدلّ له تارة بما يشبه، دليلًا عقلياً و أخرى بروايات كثيرة وردت في أبواب
مختلفة.
أمّا الأول فهو [الدليل العقلي]
ما يستفاد من كلمات بعض الأساتذة الأعلام (قدس سره) و حاصله بتقرير منّا أنه
لا شكّ- كما عرفت في المقام الأوّل- في أنه لا يمكن إهمال أمر المجتمع الإسلامي من
حيث الحكمة، و أنه لا بدّ لهم من ولي و أمير يدير أمورهم و يأخذ حقّ الضعيف من
القوي، و يدافع عنهم عند هجوم الأعداء، و ينتصف لهم و منهم، و يجري الحدود، و يسوس
جميع ما يحتاجون إليه في أمر دينهم و دنياهم.
كما أنه لا ينبغي الشكّ في أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان بنفسه يتولى
هذه الأمور، و من بعده كان هذا للأئمّة الهادين (عليهم السلام)، و أمّا بعد غيبة
ولي الله المنتظر (عليه السلام) فأما أن يكون المرجع في هذه الأمور خصوص الفقيه
الجامع، أو يصحّ لكلّ أحد القيام بها، و القدر المتيقن من الجواز هو الأوّل، لعدم
قيام دليل على الثّاني، و الأصل عدم ولاية أحد على أحد، خرجنا من هذا الأصل في
الفقيه لأن جواز ولايته ثابت على كلّ حال، و إنّما الكلام في جواز غيره.
و إن شئت قلت: الحكومة الإسلامية حكومة إلهية لا تنفك سياستها عن ديانتها و
تدبيرها عن تشريعها الإلهي، فالقائم بهذا الأمر لا بدّ أن يكون عارفاً بأحكامه
معرفة تامة، كما لا بدّ أن يكون عارفاً بالأمور السياسية و تدبير المدن، و كيف
يسوغ لغير الفقيه الذي لا يعرف أحكام الشرع حقّ معرفتها التصدي لهذه الحكومة
الإلهية.
و بعبارة ثالثة الحكومات على قسمين:
الحكومات الناشئة عن عقيدة و مدرسة فكره و الحكومات الناشئة عن الأهواء و
النزعات القومية، و القسم الأول «إلهية» و القسم الثاني «الحادية»، و الإلهية
كالحكومة الإسلامية، و الإلحادية كالماركسية،