و قسم آخر الموضوعات العرفية الخفية ممّا تحتاج في فهمها و فهم مصاديقها إلى
دقة النظر، و سلامة الذوق، و الممارسة و الإحاطة بهذه الأمور، فهذا أيضاً يرجع
المقلّد فيه إلى مجتهده، و كثير من المسائل الفرعية في الكتب الفقهية و الرسائل
العملية من هذا القبيل، فليس فيها كشفاً لحكم شرعي، و استنباطاً من الأدلة
الشرعية، بل يكون من قبيل تطبيق الكلي على أفراده، و تعيين الموضوعات الخفية و لو
لم يجز التقليد في أمثالها كان ذكر هذه الفروع في الرسائل العملية لغواً بل إغراءً
بالجهل.
مثلًا فقد ورد في غير واحد من الأحاديث أن السجود جائز على الأرض و ما أنبتت
إلّا ما أكل و لبس [1].
و الحكم مطلق و اللفظ عام شامل و مفهومه ظاهر، و لكن مع ذلك فقد وقع الشك في
شمولها لبعض الأمر كقشر الفواكه و الأدوية و العقاقير و الشاي قبل أن يطبخ و ما
يكون مأكولًا في بلد دون بلد، أو ملبوساً كذلك، و كذا في ما ليس كذلك بالفعل و لكن
يكون مأكولًا أو ملبوساً بالقوّة، إلى غير ذلك من الفروع الكثيرة التي أوردوها في
الكتب، و لا يقدر العامي على استنباط أحكامها، فعلى الفقيه ملاحظة حال هذه الفروع
و صدق هذين العنوانين عليها و عدمه، فإن غالب العوام غير قادرين على الدقة في هذه
الأمور، و لكن الفقيه لمزاولته هذه الفروع و أمثالها قادر على أخذ حقيقة هذه
الأمور من أعماق أذهان أهل العرف و ردها إليهم، و لا عجب في ذلك فتدبّر جيداً.
و كذلك لا شكّ أن مسافة القصر ثمانية فراسخ كما دلت عليه النصوص، و لكن في
صدقها على الثمانية الدورية أو المرتفع في الجو أو في أعماق الأرض غموضاً يتصدى
لرفعه الفقيه.
[1] راجع الوسائل: ج 3 ب 1 من أبواب
ما يسجد عليه ص 591.