فقهاء عارفون بالأحكام يراجعهم الناس في كلّ بلد و إن لم يكونوا من القضاة فقد
قال الصادق (عليه السلام)- كما في الحديث- لبعض أصحابه
«أحب أن تجلس في مسجد المدينة و تفتي
الناس».
نعم، الاجتهاد في تلك الأعصار كان بسيطاً جدّاً بالنسبة إلى عصرنا هذا، يكفيه
معرفة اللغة و معرفة الحديث و الرواية و حكم التعارض بين الأحاديث و شبه ذلك.
و ما قد يتوهّم أن الاجتهاد و الاستنباط لم يكن في تلك الأيّام بل كانوا يكتفون
بنقل الأحاديث المأثورة باطل جدّاً، لأن الأحاديث كانت متعارضة، و كلمات أهل اللغة
في تفسير بعض الآيات كانت متضاربة، إلى غير ذلك ممّا يحتاج إليه في الإحاطة بمسائل
الأصول و الفقه و اللغة و غيرها، و من ينكره إنّما ينكره باللسان و قلبه مطمئن
بالإيمان.
هذا كلّه بالنسبة إلى الأحكام.
أمّا الموضوعات: فهي على أقسام ثلاثة:
1- الموضوعات المستنبطة:
كالمركبات الشرعية مثل الصلاة و الصيام و الحجّ التي تستفاد أجزاؤها و شرائطها
من أدلّة الشرع، و في الحقيقة البحث عن هذه الموضوعات يعود إلى البحث عن أحكام
أجزائها و شرائطها و موانعها، و قد حقّق في محلّه أن هذه الأمور منتزعة عن الأحكام
الشرعية الواردة في مواردها من الأمر و النهي، لا أنها مجعولة بذاتها، فالتقليد
فيها تقليد في الأحكام واقعاً.
2- الموضوعات العرفية غير المستنبطة، و هي على قسمين:
قسم منها ظاهرة واضحة يقدر المقلّد على معرفتها كالماء المطلق و المضاف و الدم
و البول و أشباهها، و لا شكّ أن معرفة حالها بيد المقلّد الذي هو من أهل العرف،
حتّى لو خالف علمه علم المرجع و المفتي يعمل بعلمه، و لا يعتنى بقوله، و الوجه فيه
أنه لا فرق في ذلك بينه و بين مرجعه، فإذا خالفه في علمه بالموضوع لزمه العمل بعلم
نفسه فقط.