في ذهن البشر، فأخذوا يبحثون عن شيء ذي مميّزات ثلاث:
ألف- كونه مقبولًا عند عامة الناس بحيث يمكن لهم أن يقضوا حاجاتهم المعاملية
معه.
ب- كونه سهل الانتقال من مكان إلى آخر.
ج- كونه غير قابل للفساد.
و هذه الميزات كانت مجتمعة في الذهب و الفضة، فقطعوها إلى قطعات صغيرة و جعلوا
عليهما نقوشاً مختلفة دالّة على رواجها في مملكة معيّنة و اعتبارها فيها، و هكذا
ظهرت الحاجة إلى سَكُّ النقود (ضرب السكة)، و سمّى النقد المصنوع من الذهب
ديناراً، و من الفضة درهماً، و إنّما صنع الأوّل للمعاملات الضخمة، و الثّاني
للصغيرة، ثمّ لمّا احتاجوا إلى نقود أصغر من الدرهم، اخترعوا قطعات نقد من النحاس،
و مضت على ذلك أزمنة طويلة إلى أن برزت مشكلة أخرى و هي لزوم مقادير كثيرة من
الدرهم و الدينار للمعاملات الضخمة و صعوبة حملها في الأسفار، و قد قارن هذا
الأمر، ظهور صنعة الطبع و اختراع أنواع مختلفة من القرطاس، فاستفادوا منه كأداة
للمبادلات و بما أن القرطاس لم يكن بنفسه ذا مالية معتنى بها، جعلوا له رصيداً
معيناً و طبعوا قطعات مختلفة منه مع الختم و التوقيع و التشريفات الرسمية لئلّا
يغش فيه.
و هكذا ظهرت النقود الورقية و بقيت رائجة في مختلف الدول إلى يومنا هذا، و قد
عرفت قدرة الحكومة و التزامها بتنفيذ المبادلات بواسطة هذه النقود يعدّ أهمّ رصيد
لها، و إن يوجد في جنبها بعض الأرصدة الأخرى، كالثروات القومية و سبائك من الذهب و
الفضة، لكنّها لا تعادل دائماً مقدار النقود الموجودة في المملكة، لكن هذا لا يعني
أنّ للحكومة حق طبع أي كمّية من هذه النقود و نشرها بين الناس لأن