و المراد منها ملاحظة القرائن الحسّية التي تدلّ على المقصود، دلالةً يقبلها
كلّ من راها، أو جلّ من راها، لابتنائها على مقدمات حسّية.
فمثل نزاع المرأتين في الولد، و طلبه (عليه السلام) المنشار، و رقّة الأمّ إلى
آخرها، و كذا قضية نزاع المولى و العبد و الأمر بضرب عنق العبد و ما أشبه ذلك،
كلّها من هذا القبيل، و لذا يحصل العلم منها لكلّ من رأى هذه المقدّمات.
أمّا لو حصل العلم من مقدّمات ظنّية حدسية، و حصل من تراكم هذه الظنون علمٌ
حدسيٌّ، كما هو المعمول به في بعض القوانين الموجودة في عصرنا، يشكل الحكم به،
لعدم الدليل على حجّية مثل هذا العلم في باب القضاء، و قد عرفت أنّ الأصل في
المقام، عدم حجّية قضاء أحد على أحد إلّا ما ثبت بالدليل.
و ما يؤيد عدم اعتبار القسم الأخير أنّه لو كان ذلك حجّةً كان مظنّةً لانحراف
القضاة عن منهج العدل و القضاء الشرعي لأنّهم ليسوا بمعصومين، و قد مرّ فتوى بعض
فقهاء العامّة، و أنّه كان يفتي بحجّية علم القاضي في أوّل أمره، ثمّ لمّا رأى
آثاره الفاسدة رجع عن فتواه و أفتى بعدم حجّيته مطلقاً [1].
أضف إلى ذلك أنّه يوجب التهمة للقضاة و إن مشوا على نهج الحقّ و الطريقة
الوسطى، كما مرّ في بعض الأحاديث الحاكية عن طلب بعض الأنبياء (عليه السلام) من
الله أن يكون عالماً لا من الطرق الحسّية و العادية بالواقع، ثمّ لمّا استجيبت
دعوته و حكم بمقتضاه تعجّب النّاس و تحدّثوا بما يدلّ على سوء ظنّهم بحكم النبيّ
(صلى الله عليه و آله)، فطلب من الله أن يرفع هذا العلم فرفع، فإذا كان الأمر كذلك
بالنسبة إلى الأنبياء فما ظنّك بغيرهم!