على التأويل الآخر، ثم قال: معنى ذلك أنّ يجعل اللمس بشيء، و النبذ له، و
إلقاء الحصاة، بيعا موجبا، انتهى.
أقول: فقد لا حظت بعض كلماتهم في معنى هذه البيوع و هي لا تخلو عن إجمال و
إبهام، فإن كان النهي عن هذه البيوع لمجرّد كون الإيجاب باللمس و النبذ و إلقاء
الحصاة، كان دليلا أو مؤيدا لهذا القول بلا إشكال، و لكن الذي يظهر بالتأمل فيما
روى في هذا المعنى في الأحاديث و تفسيرها، أنّ النهي عنها كان للجهل و الغرر لا
غير، فحينئذ لا تدل على المطلوب أصلا.
ففي سنن البيهقي عن أبي هريرة: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن
بيع الغرر و عن بيع الحصاة» [1].
فإن عطفهما في كلام واحد دليل على ما ذكرنا.
و فيه أيضا عن أبي سعيد الخدري عنه صلّى اللّه عليه و آله: «أنّه نهى عن
لبستين و بيعتين، نهى عن الملامسة و المنابذة في البيع، و الملامسة لمس الرجل ثوب
الآخر بيده بالليل أو النهار لا يقلّبه إلّا ذلك، و المنابذة أن ينبذ الرجل ثوبه و
ينبذ الآخر ثوبه، و يكون ذلك بيعهما من غير نظر و لا تراض» الحديث، ثم فسّر
البيتين [2].
إلى غير ذلك ممّا ورد في هذا المعنى.
و بالجملة لا دلالة لهذا النهي على المنع عن بيع المعاطاة، و لا أقل من ابهامه
و أنّه بسبب الغرر، و هو كاف في عدم دلالته.
و تلخص من جميع ما ذكرنا أنّ بيع المعاطاة موجب للملك، و يترتب عليه جميع
أحكام النقل و الانتقال، بل يظهر ممّا ذكرنا «كونه بيعا لازما» لأنّه مقتضى جريان
سيرة العقلاء، و أهل الشرع، مضافا إلى ظهور قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ في ذلك، بعد كونه عقدا، و كذلك غيره ممّا استدل به على أصالة اللزوم في
المعاملات، مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله:
«الناس مسلطون على أموالهم» و أنّه
«لا يحلّ مال امرئ إلّا عن طيب نفسه» إلى غير ذلك.