الامور و مقاديرها- و الجاهل إمّا مفرط أو مفرّط- فتفويض هذه الامور إليهم
يكون ضررها أكثر من نفعها، «كان ما يفسده أكثر ممّا يصلحه» (كما ورد في الحديث) بل
قد يكون دخول آحاد الناس في ذلك سببا لأعمال البغضاء و الشحناء من هذا الطريق، و
التطرق إلى المقاصد السيئة تحت عنوان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، كما لا
يخفى على من له خبرة بهذه الامور، فلا بدّ في جميع ذلك من الاستيذان من «ولي
الأمر» و هو كما اشتهر في الألسن أنّ اليد التي يقطعها الحاكم لا دم له!
و التمسك باطلاقات الباب كالتمسك باطلاق آية «حدّ الزنا و السارق» ممنوع
بقرينة المقام.
و إن شئت قلت: هناك امور تقف على اذن الحاكم في جميع الجوامع البشرية فإذا اذن
الشارع المقدس في شيء منها انصرف إليه، و ما نحن فيه من هذا القبيل، فلا اطلاق في
الآيات و الروايات بعد وجود هذه القرينة الواضحة الظاهرة.
و إن هو إلّا نظير إجراء الحدود و التعزيرات، فقد عرفت أنّه لا ينبغي الشك في
كونها من وظيفة الحاكم الشرعي، بل إجرائها من مصاديق الأمر بالمعروف و النهي عن
المنكر كما لا يخفى على اللبيب.
فقد ظهر من جميع ذلك أنّ الأظهر بحسب القرائن العقلية و النقلية عدم جواز شيء
من هذه المراتب الأخيرة بغير إذن الإمام عليه السّلام أو نائبه.
نعم الانكار بالقلب، سواء كان بمعنى تنفره في قلبه عن المنكر و يكون ذلك
لنفسه، أو كان المراد ظهوره في صفحات وجهه بحيث ينتفع به غيره من دون تكلم، فقد
يكون لسان الحال أبلغ من لسان المقال، فهذا غير متوقف على شيء، و كذا القول
باللسان في جميع مراتبه، فادلتها مطلقة لا وجه لتخصيصها بشيء، و كذا العمل باليد
بمعنى كونه «اسوة» لفعل المعروف و الانتهاء عن المنكر، إنّما الكلام في سائر مراتب
اليد.
و أمّا «المقام الرابع» من مقامات ولاية الفقيه، أعني كفاية اذن نائب الغيبة و
قيامه مقام الإمام المعصوم عليه السّلام فقد صرّح بعضهم بذلك، قال العلّامة قدّس
سرّه في المختلف حاكيا عن سلار بن عبد العزيز: «أمّا القتل و الجرح في الانكار
فإلى السلطان و من يأمره، فان تعذر الأمر لمانع