أقول: أولا:
إنّ كون الإنشاء أمرا إيجاديا هو أمر وجداني، سواء في البيع و الهبة و النكاح أو
النداء و التمني و الترجّي و غيرها، فالوجدان أصدق شاهد بأنا عند ذكرنا هذه الصيغ
نوجد أمرا اعتباريا، لا أنا نعتبر شيئا في أنفسنا ثم نخبر و نكشف عنه.
و ثانيا:
أنّه لو كان الإنشاء إبراز الاعتبار النفساني، كان كالخبر يحتمل الصدق و الكذب،
فإن الذي ينفي عن الإنشاء احتمال الصدق و الكذب، إنّما هو كونه إيجاديا، و عند
إنكاره يكون كالخبر بعينه.
إن قلت:
بينهما فرق واضح، فإنّه ليس في الإنشاء وراء الاعتبار النفساني شيء بخلاف الإخبار
الذي يحكي عمّا بإزائه في الخارج.
قلت: نعم، و
لكن إذا ذكر المبرز (بالكسر) و لم يطابق المبرز (بالفتح) و لم يكن أمرا ثابتا في
النفس، كان كاذبا في إبرازه و اظهاره.
و ثالثا:- و
هو العمدة- أنّ حقيقة الإنشاء ليست مجرّد الاعتبار النفساني، و لا مجرّد الألفاظ،
بل اعتبار عقلائي يوجد بما دلّ عليه مع النّية و القصد.
توضيح ذلك:
إنّ حقيقة الملكية في بدء الأمر هي السلطنة الخارجية على شيء، و تمليك الغير
عبارة عن تسليطه عليه خارجا، ثم لما أخذت المجتمعات البشرية تتسع و تتنوع تبدلت
هذه السلطنة بشكل اعتباري قانوني، و قام الإنشاء مقام الاعطاء الفعلي الخارجي،
فمجرّد الاعتبار النفساني لا أثر له عند العقلاء، و لا يوجد السلطة الاعتبارية
القانونية، و إنّما توجد هذه السلطة بالفاظ أو أفعال وضعت لها، مع قصد إيجادها،
فإنشاء الملكية هو إيجاد اعتبار عقلائي قانوني بأسبابه، لا إيجاد أمر تكويني، و لا
إيجاد أمر نفساني حتى لا يحتاج إلى الألفاظ و شبهها، بل إيجاد سلطة قانونية
عقلائية و هو يحتاج إلى أسباب خاصة عندهم، و كذلك الطلاق مثلا، هو إيجاد فرقة
قانونية عقلائية بأسبابه، و هكذا في سائر الإنشائيات من العقود و الايقاعات،
فتدبّر فإنّه حقيق به.