ثالثا: أنّ عمدة الدليل على حرمة التصرف هو قاعدة احترام الأموال، و كذلك ما
ورد في إمضائه من الروايات.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى حكم وجوب الردّ- فقد عرفت دعوى عدم الخلاف في وجوب
الردّ و استدل له تارة: بما دلّ على عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه، و
اخرى: بما دل على عدم حلية مال امرئ إلّا بطيبة نفسه، و ثالثه: بقاعدة على اليد، و
له بيانان:
أحدهما: أنّه يعمّ الحكم التكليفي و الوضعي كليهما، فمفاده وجوب ردّ العين مع
وجوده، و ردّ بدله مع تلفه (و هذا محكي عن المحقق الإيرواني قدّس سرّه).
ثانيهما: إنّ مفادها ليس إلّا الحكم الوضعي بالدلالة المطابقية، و لكن يستفاد
منه الحكم التكليفي، أعني وجوب الردّ بالدلالة الالتزامية (و هذا محكي عن المحقق
النائيني قدّس سرّه).
هذا و قد يناقش في الجميع، أمّا في الأول: فلعدم صدق التصرف على مجرّد
الإمساك، و على الثاني: بأن مجرّد عدم الحلية لا يدل على حرمة الإمساك، و على
الثالث: بعدم دلالته إلّا على الحكم الوضعي و أكثر منه ممنوع.
و الإنصاف أنّ وجوب الردّ في الجملة ممّا لا ينبغي الشك فيه، لأنّ إمساك مال
الغير بغير اذنه و رضاه مناف لقاعدة احترام الأموال الثابتة عند العقلاء، و إمضاء
الشارع المقدس بما دلّ على حرمة التصرف في مال الغير، قاعدة على اليد و غير ذلك من
أشباهها.
و لكن لا بدّ من تفصيل في المسألة ..
فتارة: يكون كلاهما جاهلين بالفساد، فإذا تجدد للقابض علم له فعليه ردّه إليه
و لا أقل من تخلية اليد و اعلامه بذلك، فان الردّ في المقام أعم من ذلك، فحينئذ لا
يتعين عليه دفعه إليه فضلا عن كون مؤنته عليه.
و اخرى: يكون مع علم الدافع سواء علم القابض أم لا و هنا أيضا لا يجب عليه
إلّا التخلية و عدم المزاحمة للمالك أي منعه عن أخذ ماله مهما أراده.