فالأولى أن يقال: إنّ المسألة مبنيّة على أنّ الحكم الظاهري الثابت لبعض
المكلّفين هل هو ثابت لغير قام عنده أم لا؟ و هل هو معتبر في حقه أم لا؟
و حينئذ نقول: إنّ الجواب بالنفي و أنّه لا حجّية بالنسبة إلى من لم يقم عنده
لعدم شمول أدلته له قطعا، فالحكم الظاهري الثابت عند كل واحد منهم لا يجري إلّا في
حقّه، كما هو واضح، لأنّ المفروض أنّ الأمارات المعتبرة أو الأصل المعتبر حصل عنده
لا عند غيره، فكيف يكون حجّة في حق الغير؟
هذا و قد يتوهّم أنّ ما ذكروه من التفصيل في باب الإجزاء بين الاصول و
الأمارات، من القول بالإجزاء في الأول كمن صلّى اعتمادا على أصالة الطهارة، و عدم
الإجزاء في الثاني كما إذا صلّى اعتمادا على قول البينة، آت هنا.
و هو توهّم فاسد، لأنّ القول بالصحة في الاصول هناك أنّما هو في موارد يكون
الأصل حاكما على أدلة الشرطية لا مطلقا حتى يكون قوله «كل شيء طاهر» حاكما على
«لا صلاة إلّا بطهور» مثلا، و سببا للتوسعة دائرة الشرط.
و من البعيد أن يقول أحد بأنّ حديث الرفع الجاري في حق من يشك في اعتبار شيء
من الشروط البيع حاكما على دليل الشرطية، لأنّه ليس في مقام توسعة أدلة الشرائط
قطعا بل هو حكم ظاهري يعذر من عمل به لا غير.
و الحاصل: أنّ مجرّد اشتمال الأصل على الحكم الظاهري (دون الأمارة) لا يوجب
حكومته على أدلة اعتبار الشرائط، بل لا بدّ أن يكون ناظرا إلى توسعتها كما في دليل
أصالة الطهارة مع قوله قدّس سرّه «لا صلاة إلّا بطهور» (بناء على ما اختاره المحقق
الخراساني قدّس سرّه و من تبعه) لا مطلقا.
نعم، هنا شيء آخر ذكرناه في مبحث الإجزاء، و مبحث تبدل رأي المجتهد، و هو أنّ
أدلة حجّية الأمارات و الاصول يشكل شمولها للوقائع السابقة التي قامت أمارة أو أصل
فيها، فهي منصرفة إلى الحال و المستقبل، و لعل سيرة العقلاء في أماراتهم أيضا
مستقرة على ذلك، فلا يعتقدون بشمول الأمارات و الاصول للوقائع الماضية و لما سبق
من أعمالهم، و لذا قلنا بالإجزاء في الأحكام الظاهرية المستفادة من الأمارات و
الاصول، من