بأحكامه و تعليماته حتى يقال لا نسلم تقديم الاستعمالات العرفية على القرآنية،
نعم للبحث في الصغرى مجال، و لكن لا ينبغي الإشكال في الكبرى بعد قبول لزوم
الإنشاء بما هو متفاهم العرف في كل عصر و زمان، فتدبّر جيدا.
ألا ترى أنّ لفظ «المكروه» في عرف القرآن يطلق على أكبر المحارم، كما ورد في
قوله تعالى: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ
رَبِّكَ مَكْرُوهاً[1]. بعد ذكر أكبر المحرمات كالزنا و قتل النفوس الأبرياء، و أكل مال اليتامى، في
الآيات السابقة عليها، مع أنّ هذه الكلمة صارت حقيقة في المكروه في مقابل الحرام،
في عرف أهل الشرع في الاعصار المتأخرة، و على كل حال فالانصاف أنّ إيجاب البيع
بلفظ «شريت» بدون ذكر قرينة مشكل في هذه الأعصار.
هذا و احتمل جواز الإيجاب بلفظ «اشتريت» و حكاه في مفتاح الكرامة عن بعض نسخ
التذكرة، و تعليق الإرشاد، و هذا أشكل من سابقه جدّا، لأنّ الاشتراء في القرآن
المجيد لم يستعمل إلّا في مقابل البيع، فقد ورد واحد و عشرون مرّة في القرآن بصيغة
«اشترى» و «اشتروا» و «تشتروا» و «يشترون» و غير ذلك كلها بالمعنى الذي ذكرنا، غير
مورد واحد و هو قوله تعالى: بِئْسَمَا
اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ[2].
فان ظاهر الآية كما ذكر جمع من المفسرين أنّه بمعنى «البيع» فقد باعوا أنفسهم
الكريمة بثمن قليل من متاع الدنيا و زخارفها، مع أنّه ليس لها ثمن إلّا الجنّة كما
قال به أمير المؤمنين على عليه السّلام في ما ورد في نهج البلاغة [3].
و لكن ناقش فيه في «المصباح» بما حاصله: إنّ علماء اليهود اشتروا أنفس العوام
بثمن بخس، و هو التوادّ و التحاب إليهم، كما أنّ العوام اشتروا أنفسهم علماءهم
بثمن زهيد، و هو ما منحوهم من البر و الصلة و متاع الدنيا، فصار كل منهما مشتريا
لنفوس الآخرين [4].
و لا يخفى ما فيه من التكليف و التعسف الشديد المخالف لظاهر الآية الموجب
لعدم