الآية التي
بعدها تشير إلى واحد من أدلة التوحيد و الذي يعرف بين العلماء و الفلاسفة بعنوان
«دليل التمانع» إذ الآية تقول للنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قل لهم:
قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي
الْعَرْشِ سَبِيلًا.
و بالرغم من
أنّ جملة إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا
تفيد أنّهم لا بدّ أن يجدوا طريقا يؤدي بهم إلى صاحب العرش، و لكن طبيعة الكلام
توضح بأنّ الهدف هو العثور على سبيل للانتصار عليه (على ذي العرش) خاصّة و أنّ كلمة
ذِي الْعَرْشِ التي استخدمت بدلا من «اللّه» تشير إلى هذا الموضوع و تؤكّده. إذ
تعني أنّهم أرادوا أن يكونوا مالكي العرش و حكومة عالم الوجود، لذلك فإنّهم
سيحاولون منازلة ذي العرش.
و من الطبيعي
هنا أنّ كل صاحب قدرة يسعى لمدّ قدرته و تكميلها، لذا فإنّ وجود عدّة آلهة يؤدي
إلى التنازع و التمانع فيما بينهم حول الحكم و السلطة في عالم الوجود.
[1] هنا قد يقال: إن من الممكن تصوّر وجود عدّة آلهة يحكمون العالم من
خلال التعاون و التنسيق فيما بينهم، لذلك فليس ثمّة من سبب للتنازع بينهم؟! في
الإجابة على هذا السؤال نقول: بصرف النظر عن أنّ كل موجود يسعى نحو توسيع قدرته
بشكل طبيعي، و بصرف النظر أيضا عن الآلهة التي يعتقد بها المشركون تحمل العديد من
الصفات البشرية، و التي تعتبر أوضحها جميعا هي الرغبة في السيطرة و الحكم و توسيع
نطاق القدرة ... بغض النظر عن كلّ ذلك نقول: إنّ اللازمة الضرورية لتعدّد الوجود
هي الاختلاف، و حيث لا يوجد
[1] بعض المفسّرين قال: إنّ هذا الجزء من الآية
يعني أنّ هناك آلهة أخرى تحاول أن تقرب نفسها إلى اللّه. و هذا يعني أنّ هذه
الآلهة (الأصنام و غيرها) الوهمية عند ما لا تستطيع أن تقرّب نفسها للّه فكيف
تستطيع أن تقربكم أنتم؟
و لكن سياق
هذه الآية التي بعدها لا يتواءمان مع هذا التّفسير.