الصاحب الذي يطمأن إليه. و هذه هي الأمور التي طلبها موسى عليه السّلام في
بداية الرسالة من ربّه.
إن هذه المطالب تبيّن بنفسها أنّ موسى عليه السّلام كان يمتلك روح الوعي و
الاستعداد حتى قبل النّبوة، و تبيّن أيضا هذه الحقيقة، و هي أنّه كان واقفا على
أبعاد مسئوليته جيدا، و كان يعلم بأنّه ماذا يجب أن يستعمل في الساحة في تلك
الظروف، و أي سلاح هو الأمضى، ليمتلك القدرة على مقارعة الاجهزة الفرعونية، و هذا
نموذج و قدوة لكل القادة الربانيين في كل عصر و زمان، و لكل السائرين في هذا
الطريق.
2- مقارعة الطغاة
لا شك أنّ لفرعون نقاطا و صفات منحرفة كثيرة، فقد كان كافرا، عابدا للأصنام،
ظالما، مستبدا و و ... إلّا أنّ القرآن طرح من بين كل هذه الانحرافات مسألة
الطغيان إِنَّهُ طَغى لأن روح الطغيان و التمرد في مقابل أمر الحق عصارة و خلاصة كل هذه الانحرافات
و جامع لها.
و يتّضح بصورة ضمنية أنّ هدف الأنبياء في الدرجة الأولى هو مقارعة الطواغيت و
المستكبرين، و هذا في الواقع عكس التحليل الذي يذكره الماركسيون حول الدين تماما،
حيث زعموا أنّ الدين في خدمة الطغاة و المستعمرين الماضين.
إنّ كلام هؤلاء قد يصح في شأنه المذاهب المصطنعة التخديرية، إلّا أنّ تاريخ
الأنبياء الحقيقيين ينفي بصراحة تامة ظنون هؤلاء الواهية في شأن الأديان و
المذاهب، خاصّة و إن ثورة موسى بن عمران شاهد ناطق في هذا المجال.