مرّت في الآيات السابقة بحوث عديدة حول القيامة و الجنّة و الجحيم، و تتحدث
هذه الآيات التي نبحثها حول نفس الموضوع، فتعيد الآية الأولى أقوال منكري المعاد،
فتقول: وَ يَقُولُ الْإِنْسانُ أَ إِذا ما مِتُّ
لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا.
هذا الاستفهام استفهام إنكاري طبعا، أي إنّ هذا الشيء غير ممكن. أمّا التعبير
بالإنسان (و خاصّة مع ألف و لام الجنس)، مع أنّه كان من المناسب أن يذكر الكافر
محله- فربّما كان من جهة أن هذا السؤال مخفي في طبع كل إنسان في البداية بزيادة و
نقيصة، و بسماع مسألة الحياة بعد الموت سترتسم في ذهنه علامة الاستفهام فورا.
ثمّ يجيبهم مباشرة بنفس التعبير أَ وَ لا
يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً. و يمكن أن يكون التعبير ب «الإنسان» هنا أيضا إشارة إلى
أن الإنسان مع ذلك الاستعداد و الذكاء الذي منحه اللّه إيّاه، يجب أن لا يجلس
ساكتا أمام هذا السؤال، بل يجب أن يجيب عليه بتذكر الخلق الأوّل، و إلّا فإنّه لم
يستعمل حقيقة إنسانيته.
إنّ هذه الآيات- ككثير من الآيات المرتبطة بالمعاد- تؤكّد على المعنى
الجسماني، و إلّا فإذا كان القرار أن تبقى الروح فقط، و لا وجود لرجوع الجسم إلى
الحياة، فلا مكان و لا معنى لذلك السؤال، و لا لهذا الجواب.
على كل حال، فقد استعمل القرآن هذا المنطق لإثبات المعاد هنا، و قد جاء في
مواضع أخرى من القرآن أيضا، و من جملتها في أواخر سورة يس، حيث طرح الأمر بنفس
تعبير الإنسان: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا
خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ
نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ. قُلْ