لقد خطرت في ذهن مريم في اللحظات الأولى هذه الأفكار، و تصورت بأن كل وجودها و
كيانها و ماء وجهها مهدد بالخطر أمام هؤلاء الناس الجهلاء نتيجة ولادة هذا
المولود، و في هذه اللحظات تمنت الموت، و هذا بحد ذاته دليل على أنّها كانت تحب
عفتها و طهارتها و تهتم بهما أكثر من روحها، و تعتبر حفظ ماء وجهها أغلى من
حياتها.
إلّا أنّ مثل هذه الأفكار ربّما لم تدم إلّا لحظات قصيرة جدّا، و لما رأت ذينك
المعجزتين الإلهيتين- انبعاث عين الماء، و حمل النخلة اليابسة- زالت كل تلك
الأفكار عن روحها، و غمر قلبها نور الاطمئنان الهدوء.
3- سؤال و جواب
يسأل البعض: إنّ المعجزة إذا كانت مختصة بالأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام،
فكيف ظهرت مثل هذه المعجزات لمريم؟
و قد اعتبر بعض المفسّرين- حلا لهذا الإشكال- هذه المعاجز جزءا من معاجز عيسى
تحققت كمقدمة، و يعبرون عن ذلك بالإرهاص.
إلّا أنّه لا حاجة لجواب كهذا أبدا، لأنّه لا مانع مطلقا من ظهور الأمور
الخارقة للعادة لغير الأنبياء و الأئمّة، و هذا هو الذي نسميه بالكرامة.
إنّ المعجزة هي عمل يقترن بالتحدي، و تكون مقترنة بادعاء النّبوة و الإمامة.
4- صوم الصمت
يدل ظاهر الآيات أعلاه على أنّ مريم كانت مأمورة بالسكوت لمصلحة، و أن تمتنع
عن الكلام بأمر اللّه في هذه المدّة المعينة، حيت تتحرك شفتا وليدها عيسى بالكلام
و يدافع عن عفتها، و هذا أكثر تأثيرا من كل الجهات.
و يظهر من تعبير الآية أن نذر السكوت كان أمرا معروفا في ذلك المجتمع،