حيث رأت كل ذلك اللطف و الإحسان الإلهي، أجرت مثل هذه الجملة على لسانها و
قالت: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُ
نَسْياً مَنْسِيًّا، إلّا أنّ هؤلاء لم يدركوا
أبدا حال مريم في تلك الساعة، و لو أنّهم أصابهم شيء قليل من هذه المشاكل فإنّهم
سينسون حتى أنفسهم.
إلّا أنّ هذه الحالة لم تدم طويلا، فقد سطعت ومضة الأمل التي كانت موجودة
دائما في أعماق قلبها، و طرق سمعها صوت
فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا و انظري إلى الأعلى كيف أن هذا الجذع اليابس قد تحول إلى
نخلة مثمرة وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ
تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً بالمولود الجديد
فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ
صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا. و هذا الصوم هو المعروف بصوم السكوت.
و خلاصة الأمر، إنّك لا تحتاجين إلى الدفاع عن نفسك، فإنّ الذي وهبك هذا
الوليد قد تعهد بمهمّة الدفاع عنك أيضا، و على هذا فليهدأ روعك من كل الجهات، و لا
تدعي للهم طريقا إلى نفسك.
إن هذه الحوادث المتلاحقة التي سطعت كالشرر المضيء الوهاج في الظلام الدامس،
قد أضاءت كل أرجاء قلبها، و ألقت عليها الهدوء و الاطمئنان.
بحوث
1- ازدياد قوة مريم عند تراكم المشاكل
إنّ الحوادث التي مرّت على مريم في هذه المدّة القصيرة، و المشاهد و المواقف
التي تثير الإعجاب، و التي حدثت لها بلطف اللّه، كانت تهيؤها و تعدها من أجل تربية
نبي من أولي العزم، و لتستطيع أن تؤدي وظيفة الأمومة من خلال