(الأغناء المترفين) و تقريبه للمجموعة
الثّانية (الفقراء المؤمنين) شكّل مجتمعا توحيديا بمعنى الكلمة، مجتمعا تفجّرت فيه
الطاقات الكامنة، و أصبحت فيه معايير الشخصية و القيم و النبوغ، هي التقوى و العلم
و الإيمان و الجهاد و العمل الصالح.
و اليوم ما لم نسع لبناء مثل هذا المجتمع و الاقتداء بالنموذج الإسلامي الذي
شيّده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عهده، و بدون نبذ الفكر الطبقي
من العقول عن طريق التعليم و التربية و تدوين القوانين الصحيحة و السهر على
تنفيذها بدقّة- بالرغم من رفض الاستكبار العالمي و تعويقه لذلك- فسوف لن نملك
مجتمعا إنسانيا سليما أبدا.
2- المقارنة بين الحياة في هذا العالم و عالم الآخرة:
لقد قلنا مرارا: إنّ تجسّد الأعمال هو من أهم القضايا المرتبطة بالمعاد. يجب
أن نعلم أنّ ما هو موجود في ذلك العالم هو انعكاس واسع و متكامل لهذا العالم،
فأعمالنا و أفكارنا و أساليبنا الاجتماعية و صفاتنا الأخلاقية المختلفة سوف تتجسّم
و تتجسّد أمامنا في ذلك العالم و ستبقى قرينة لنا دائما.
الآيات- أعلاه- دليل حي على هذه الحقيقة، فالمترفون الظالمون الذين كانوا
يعيشون في هذه الدنيا في ظل سرادق عالية، و كانوا سكارى بهواهم، وسعوا إلى فصل كل
شيء يخصّهم عن المؤمنين الفقراء، هؤلاء يملكون في ذلك العالم أيضا (سرادق) و
لكنّها من النار الحارقة، لأنّ الظلم في حقيقته نار حارقة تحرق الحياة و تذروا
آمال المستضعفين المظلومين.
هناك يشربون من شراب يجسّد باطن شراب الدنيا، و هو بالنسبة للظالمين الطغاة
شراب من دماء قلوب المحرومين، و مثل هذا الشراب يقدّم للظالمين في ذلك العالم، و
هو لا يحرق أمعاءهم و أحشاءهم فحسب، بل يكون كالمعدن