الطريف هنا أنّ القرآن وضع هاتين المجموعتين في مقابل بعضهما من حيث الصفات، و
كان الأمر كما يلي:
مؤمنون حقيقيون إلّا أنّهم فقراء، و لهم قلوب مملوءة بحبّ اللّه، يذكرونه
باستمرار و يسعون إليه.
الأغنياء المستكبرون الغافلون عن ذكر اللّه، و الذين لا يتبعون سوى هواهم، و
خارجون عن حدّ الاعتدال في كل أمورهم و يفرطون و يسرفون.
إنّ الموضوع- أعلاه- من الأهمية بمكان، بحيث أنّ القرآن يقول للرّسول صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم- بصراحة- في الآية التي بعدها: وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ
وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ.
و لكن اعلموا أنّ هؤلاء عباد الدنيا الذين يسخرون من الألبسة الخشنة التي
يرتديها أمثال سلمان و أبي ذر خاصّة، و الذين يعيشون حياة مرفهة باذخة و مليئة
بالزينة، ستنتهي عاقبهم إلى سوء و ظلام و عذاب: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ
سُرادِقُها.
نعم، إنّهم كانوا اعطشوا في هذه الدّنيا كان الخدم يجلبون لهم أنواع
المشروبات، و لكنّهم عند ما يطلبون الماء في جهنّم يؤتي إليهم بماء كالمهل: وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ
يَشْوِي الْوُجُوهَ[2].
[1]- «فرط» تعني التجاوز عن الحد، و
كل شيء يخرج عن حدّه و يتحول إلى إسراف يقال له (فرط).
[2]- «مهل» على وزن «قفل» و هي تعني
كما يقول الراغب في المفردات: هي المقدار المترسب من الدهن و الذي يكون عادة ملوثا
بأشياء وسخة و رديئة الطعم، إلّا أنّ بعضا آخر من المفسّرين يقولون بأنّها تعني أي
معدن مذاب.
و الظاهر أنّ تعبير (يشوي الوجوه) يرجّح المعنى الثّاني.
[3]- «مرتفق» من كلمة «رفق و رفيق»
بمعنى محل اجتماع الأصدقاء.