ليست بالمنصب الظاهري أو بالثروة، بل عند ما يكون المسير في سبيل اللّه يتساوى
الوزير و الراعي، و الآيات التي نبحثها تؤكّد هذه الحقيقة المهمّة و تعطي للرّسول
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذا الأمر: وَ
اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ إنّ استخدام تعبير اصْبِرْ نَفْسَكَ هو
إشارة إلى حقيقة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان قد تعرّض إلى
ضغط الأعداء المستكبرين و المشركين حتى يبعد عنه مجموع المؤمنين الفقراء، لذلك
جاءه الأمر الإلهي بالصبر و الاستقامة أمام هذا الضغط المتزايد و أن لا يستسلم له.
إنّ استخدام تعبير بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِ إشارة إلى أنّهم كانوا دائما و أبدا يذكرون اللّه.
أمّا استخدام مصطلح يُرِيدُونَ وَجْهَهُ[1] فهو دليل على
إخلاصهم و إشارة إلى أنّهم يعبدون اللّه لذاته لا طمعا بالجنة (بالرغم من نعمها
الكبيرة و الثمينة) و لا خوفا من الجحيم و عذابه (بالرغم من شدّة عذابها) بل
يعبدون اللّه لأجل ذاته المنزّهة، و هذه أعلى مرتبة في الطاعة و العبودية و الحبّ
و الإيمان باللّه تعالى.
ثمّ تستمر الآيات مؤكّدة خطابها للرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ
الدُّنْيا[2] فلا
تنظر إلى هؤلاء المستكبرين بدل المستضعفين من أجل بهارج الدنيا و زخارفها.
ثمّ من أجل التأكيد مجددا يقول تعالى: وَ
لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا.
وَ اتَّبَعَ هَواهُ و
المطيع لاهوائه النّفسية، و المفرط في أفعاله دائما
[1]- فيما يخص معنى (وجه) و أنها تأتي
في بعض الأحيان بمعنى (الذات) و أحيانا بمعنى (وجه الإنسان) و في سبب انتخاب ذلك
في هذه الموارد .. فيما يخص كل ذلك يمكن مراجعة ما كتبناه مفصلا لدى تفسير الآية
(272) من سورة البقرة في تفسيرنا هذا.
[2]- (لا تعد) مأخوذة من كلمة «عدا
يعدو و ...» و هي بمعنى تجاوز الشيء و بذا يصبح مفهوم الجملة (لا تبعد عينيك عنهم
كي تنظر إلى الآخرين).