مع أنّ أصحاب الكهف كانوا بعد يقظتهم بحاجة شديدة إلى الطعام، إلّا أنّهم
قالوا للشخص الذي كلّفوه بشراء الطعام: لا تشتر الطعام من أيّ كان، و إنّما انظر
أيّهم أزكى و أطهر طعاما فأتنا منه.
بعض المفسّرين تأولوا المعنى و قالوا: إنّ المقصود من (أزكى) هو ما يعود إلى
الحيوانات المذبوحة، إذ أنّهم كانوا يعلمون أنّ في تلك المدينة من يبيع لحم الميتة
(أي غير المذبوح على الطريقة الشرعية) و أنّ البعض يتكسّب بالحرام، لذلك أوصوا
صاحبهم بضرورة أن يتجنب مثل هؤلاء الأشخاص عند ما يحاول شراء الطعام.
و لكن يظهر أنّ لهذه الجملة مفهوما واسعا يشمل كافة أشكال الطهارات الظاهرية و
الباطنية (المعنوية)، و كلامهم و توصيتهم هي توصية لكافة أنصار الحق، في أن لا
يفكروا بطهارة غذائهم المعنوي و حسب، بل عليهم أيضا الاهتمام بطهارة طعام الأجسام
كي يكون زكيا نقيا من جميع الأرجاس و الشبهات. و إنّ هذا الأمر ينبغي أن يلازمهم
حتى في أصعب لحظات الحياة و أشدّها عسرا، لأنّ هذا المعنى هو تعبير عن أصل في وجود
المؤمن.
اليوم يسعى معظم أفراد عالمنا للاهتمام بجانب من هذا الأمر، و هو الجانب
المتعلق بالحفاظ على الطعام من أشكال التلوث الظاهري، إذ يضعون الطعام في أواني
مغطاة بعيدة عن الأيدي الملوّثة، و عن الأتربة و الغبار. و هذا العمل بحدّ ذاته
جيد جدّا، إلّا أنّ علينا أن لا نكتفي بهذا المقدار، بل ينبغي تزكية الطعام و
تطهيره من لوثة الشبهة و الحرام و الرّبا و الغش و أي شكل من أشكال التلوّث
المعنوي.
و في الرّوايات الإسلامية هناك تأكيد كبير على الطعام الحلال النقي الزاكي و
أثره في صفاء القلب و استجابة الدعاء.