لهم بأنّه ليس هو اللّه و لا هو شريكه، و المعجزة من اللّه دون سواه، فأنا بشر
مثلكم، و الفارق أنّ الوحي ينزل عليّ، و بمقدار ما يلزم الأمر فإنّ اللّه ينزل
المعاجز على يدي، و لا أستطيع أن أفعل أكثر من هذا، و قوله سُبْحانَ رَبِّي شاهد
على هذا المعنى، إذا أنّ الخالق منزّه عن أي شريك و شبيه.
و بالرغم من أنّ القرآن ذكر معاجز متعدّدة لعيسى عليه السّلام مثل إحياء
الموتى و شفاء المرضى و غير ذلك، إلّا أنّ هذه المعجزات جميعا كانت ملحقة بكلمة «بإذني»
أو «بإذن اللّه» أي إنّها تتم- فقط- بإذن الخالق، و أجريت على يد المسيح عليه
السّلام [1].
4- أيّ إنسان يصدّق بأنّ إنسانا يدّعي النّبوة، بل يعتبر نفسه خاتم النّبيين،
و يذكر في كتابه المعاجز الكثيرة للأنبياء السابقين، إلّا أنّه نفسه لا يستطيع أن
يأتي بمعجزة؟! ثمّ إنّ الناس على هذا الفرض، ألا يعترضون على مثل هذا النّبي و
يقولون له:
كيف تكون نبيّا في حين أنّك تعجز عن القيام بمعاجز مثل معاجز الأنبياء الآخرين
... فإن كنت تدّعي أنّك أفضل منهم جميعا و خاتمهم، فكيف إذن تستقيم الدعوة مع عدم
الإتيان بالمعجزات؟
إنّ هذا الواقع- بحدّ ذاته- دليل على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم قد جاء- عند الضرورة و اللزوم- بالمعجزات، و من هنا يتّضح أن عدم استسلام
رسول الهدى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لطلبات المشركين الآنفة إنّما يعود لعلمه
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعدم جدواها في إثبات ما يلزم من نبوته، و أنّها
انطلقت- فقط- على سبيل التحجج و التذرّع من قبل عتاة قريش و كبرائها، لذلك أهمل
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذا الكلام و لم يستجب لاقتراحاتهم غير المنطقية و
غير المعقولة.
[1]- يمكن في هذا الصدد مراجعة الآيات
(110) من سورة المائدة، و (49) من سورة آل عمران.