لقد تبيّن من خلال الآيات أعلاه و الحديث الوارد في أسباب النّزول، أنّ طلبات
المشركين العجيبة و الغريبة لم تكن تنع من روح نشدان الحقيقة، بل كان هدفهم البقاء
على الشرك و عبادة الأصنام لأنّه كان يمثل الدعامة الأساسية و القوّة المادية
لزعماء مكّة، و كذلك منع النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الاستمرار في
طريق الدعوة الى التوحيد بأي صورة ممكنة.
إلّا أنّ الرّسول الهادي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أجابهم بجوابين منطقيين
و في جملة واحدة و قصيرة:
الجواب الأوّل: إنّ الخالق جلّ و علا منزّه عن هذه الأمور، منزّه التأثّر بهذا
و ذاك، و منزّه من أن يستسلم للاقتراحات الباطلة و الواهية لأصحاب العقول السخيفة: سُبْحانَ رَبِّي.
الجواب الثّاني: بغض النظر عمّا مضى فإنّ الإتيان بالمعجزات ليس من عملي، فأنا
بشر مثلكم، إلّا أنّني رسول اللّه، و القيام بالمعاجز من عمل الخالق و بإرادته
تتمّ، و بأمره تنجز، فأنا لا أستطيع أن أطلب مثل هذه الأمور من الخالق و لا يحق لي
أن أتدخل في مثل الأمور، فمتى شاء سبحانه فسيبعث بالمعجزات الإثبات صدق دعوة
رسوله: هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا.
صحيح أنّ هناك ترابط بين هذين الجوابين، إلّا أنّهما يعتبران جوابين منفصلين،
فأحدهما يثبت ضعف البشر في مقابل هذه الأمور، و الثّاني تنزيه ربّ البشر عن القبول
بهذه المعجزات المقترحة.
و عادة فإنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليس إنسانا استثنائيا يجلس
في مكان معين، و يأتي الأشخاص يقترحون عليه المعجزات كيفما يشاءون، و يتلاعبون
بقوانين و سنن الخلق و الوجود، و إذا لم تعجبهم معجزة معينة يطلبون غيرها ... و
هكذا.